الأخبار

بشار جرار : المتعاطفون والمتواطئون مع «الخطيئة الأصلية»

بشار جرار : المتعاطفون والمتواطئون مع «الخطيئة الأصلية»
أخبارنا :  

أسارع فأقول إن المعني هو الكتاب وموضوعه، وليس بحثا روحيا أو فلسفيا، ليس هذا مقامه ولا مقاله. غدا الثلاثاء يٌطلق كتاب مثير آخر، ينضم إلى آلاف كتب «الضجة»، وغالبا ما تكون موقوتة في بلاد العم سام. إنه كتاب «الخطيئة الأصلية» لمؤلفين لامعين في الوسط الصحفي الأول أحد نجوم «سي إن إن» والبرامج الحوارية في أمريكا وهو المذيع «جيك تابر»، والثاني من صحافيي موقع أكيوس ذائع الصيت وواسع النفوذ، مراسل الشؤون السياسية في أمريكا «أليكس تومبسون». أما الميول أو التوجّه، فالأول محسوب على الديموقراطيين واليسار، والثاني على الجمهوريين واليمين، أو لعلهما في الوسط من الاتجاهين.
قرر المؤلفان أشبه ما يكون «اعترافا» وعلنيا!! في عالم القداسة لا الصحافة، سرّ الاعتراف من أسرار الكنائس الرسولية، والاعتراف سرا لما يُعرف بـ «أب الاعتراف» من القيم الروحية والأخلاقية التربوية الراسخة لدى تلك الكنائس. قرر تابر وتومبسون إماطة اللثام الآن عن القدرات الإدراكية للرئيس السابق «جوزيف آر بايدن».
للرئيس، لشخصه ولمكتبه -منصبه ومقامه- ولتاريخه المخضرم في مجلس الشيوخ الأمريكي وكنائب للرئيس الأسبق باراك حسين أوباما لولايتين، له المحبة والاحترام كإنسان، كأب وكزوج لوّعه الفقد الشخصي مرارا. مما يعرف عن الملمات التي عصفت بحياته، فقده لزوجته الأولى وطفلته الرضيعة في حادث سير على طريق شراء شجرة عيد الميلاد المجيد. بعدها كانت مصيبة ليست أقل وطأة تمثلت بفقد ابنه الأكبر «بو» الذي كان يرى فيه نفسه جراء داء السرطان. فيما داء الإدمان على المخدرات قد طال ابنه الأصغر «هنتر» بكل ما ارتبط بتلك السموم من فضائح أخلاقية على جهاز اللابتوب الخاص بهنتر والذي تجاهلته الصحافة في انتخابات 2020 على اعتبار أن الصور والفيديوهات المشينة ما هي إلا حملة تضليل روسي شهد لها واحد وخمسون «قياديا» من مسؤولي أجهزة الاستخبارات في أمريكا. هذا الكم الهائل من الآلام الشخصية بالغة الخصوصية من الطبيعي ألا تكون أداة لخصومة بقدر ما تكون رافعة للمشاعر الإنسانية ومدعاة للتعاطف.
لائحة الاتهام بالتغطية على التردي غير المسبوق والمتسارع لحالة الرئيس السابق -بصرف النظر إن كان ذلك التردي جراء آلامه أو كبره أو مرضه- لائحة طويلة. تشير تفاصيل العديد من الأحداث ومنها التحقيق الخاص بالوثائق السرية التي عثر عليها في «مركز بايدن» في جامعة بينسلفينيا ومقره في واشنطن العاصمة «دي سي» وكراجه بيته في ولايته دالاوير، تشير بأصابع الاتهام إلى التعتيم والتضليل بمعنى «الخطيئة الأصلية». تشير بشكل قوي إلى أطراف عدة، شخصية وتطال زوجته الدكتورة «جِلْ»، وابنه «هنتر»، وربما شقيقته وشقيقه. فيما تتقاطع المسؤولية أو «الخطيئة» مع دوائر أكثر خطورة من الناحية السياسية والقانونية، وهي «كامالا هاريس» نائبة بايدن والمرشحة التي هزمها الرئيس دونالد ترامب، وأعضاء حكومته وإدارته، خاصة المقربين في الدوائر الضيقة، إضافة إلى قادة الحزب الديمقراطي كأوباما وتشاك تشومر زعيم الأغلبية حينها في مجلس الشيوخ ونانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس النواب، والصحافة التي باتت الآن في دائرة الاتهام الداخلي بتجاوزها حدود المجاملة أو المداهنة إلى حد التواطؤ، لا بل والتعتيم والتضليل..
الكتاب يُنشر غدا الثلاثاء ويقع في نحو ثلاثمئة وخمسين صحفة. كما في «الخطيئة الأصلية» هناك خلافات وتباينات وتأويلات فلسفية ودينية وطائفية. ثمة سجال سياسي انتخابي أريد له أن يتجدد الآن، في أوج انتصارات ترمب الداخلية والخارجية، كما يراها مؤيدوه، واعترفت بها حتى أسماء كبيرة في الحزب الديموقراطي من بينهم إثنان من كبار موظفي إدارة بايدن، وعضو مجلس الشيوخ السناتور كريس ميرفي وعضو مجلس النواب جيم هايْمس ووزير الدفاع ومدير السي آي إيه الأسبق «الديموقراطي أيضا»، ليون بانيتا..
ستبقى هذه الفضيحة مدوية للصحافة نفسها التي كان من المفترض أن تكون مهنية، موضوعية ونزيهة.. مع نشر المزيد من التسريبات الصوتية لبايدن وكشف ما يحتوي الكتاب من تفاصيل أخطرها السؤال الأكبر «من كان يحكم أمريكا؟» ستتفاعل الفضيحة أكثر إن قرر الجمهوريون المضي قدما بنوايا الصقور، بعقد جلسة استماع لمحاكمة المتورطين بالتعتيم والتضليل من السياسيين والصحفيين.
تلك «خبطة» صحفية أو ربما «ضربة معلّم»، كونها مسددة بعناية ضد من يصفها ترمب «الدولة العميقة» و»مستنقع واشنطن» الذي تعهّد منذ حملته الانتخابية الأولى بتجفيفه..

مواضيع قد تهمك