الأخبار

منصات التواصل.. بين إنصاف الشكاوى وخطر التضليل

منصات التواصل.. بين إنصاف الشكاوى وخطر التضليل
أخبارنا :  

تشهد منصات التواصل الاجتماعي تناميا في نشر الشكاوى الفردية والمطالب الخدمية، مع لجوء البعض إلى عرض قضاياهم عبر تلك المنصات، تعبيرا عن شعورهم بعدم الإنصاف أو تأخر الاستجابة من الجهات المعنية.
ورغم الدور الذي تلعبه المنشورات في تسليط الضوء على قضايا يعتبرها أصحابها ذات أولوية، إلا أنها لا تخلو من تساؤلات بشأن مدى دقة ومصداقية المعلومات المتداولة، وآليات تعامل الجهات الرسمية معها، فضلا عن تأثيرها المحتمل على تشكيل اتجاهات الرأي العام.
مسؤولون ومتخصصون ومواطنون، أكدوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن تزايد نشر الشكاوى والمطالب عبر منصات التواصل يعكس حاجة المواطنين لإيصال صوتهم والتأثير في قضية معينة، مشددين على أهمية استخدام القنوات الرسمية لضمان توثيق الشكوى ومعالجتها بشكل مؤسسي وسريع، وأهمية التحقق من دقة المحتوى المتداول للحد من التضليل.
وقال الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم محمود الحياصات، إن الوزارة تتابع باهتمام ما ينشر عبر منصات التواصل من شكاوى وملاحظات تتعلق بالقطاع التربوي والتعليمي، وتعد ذلك مصدرا مهما لرصد القضايا ومتابعتها وعلاجها، موضحا أن الوزارة أقرت قسما متخصصا في الإعلام الرقمي يعنى برصد ومتابعة المحتوى الرقمي المتعلق بالقطاع التربوي، وتحليل الشكاوى، والتواصل مع الإدارات والمديريات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بما يضمن سرعة الاستجابة وتحقيق العدالة والشفافية.
وذكر الحياصات أن الوزارة تقر بدور وسائل التواصل كأداة حديثة للتواصل وإيصال الملاحظات بسرعة، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أهمية تحري الدقة والموضوعية عند نشر المعلومات، واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، خاصة في القضايا التي تمس مؤسسات رسمية وقطاعا حساسا كالتعليم، مبينا أن الوزارة لا ترفض هذا النوع من النشر، إلا أنها تدعو المواطنين إلى استخدام القنوات الرسمية لضمان توثيق الشكوى ومعالجتها بشكل مؤسسي وسريع.
وأشار إلى أن الوزارة توفر عددا من القنوات الرسمية التي تمكن المواطنين من تقديم ملاحظاتهم أو الاستفسار بطريقة موثقة وقانونية، إضافة إلى وجود قسم شكاوى داخل الوزارة يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف، كما أن الوزارة تعمل على تطوير تطبيقات إلكترونية ومنصات تفاعلية لضمان سهولة الوصول وسرعة المعالجة، مع الالتزام بالشفافية في الرد والمتابعة.
من جهته، قال أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة الشرق الأوسط الدكتور محمود الرجبي، إن منصات التواصل تلعب دورا مؤثرا في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا الخدمية والإنسانية، من خلال الانتشار السريع، حيث نلاحظ أن الناس اليوم قادرون على إيصال أصواتهم في ثوان إلى آلاف أو ملايين المستخدمين الذين يمنحون القضايا البسيطة أو المحلية طابعا وطنيا أو حتى عالميا، وتحفيز التفاعل عبر الصور والقصص المؤثرة، ما يسهم في الضغط لتحقيق أهداف معينة.
وأكد أن منصات التواصل والإعلام الرقمي تجاوزت وسائل الإعلام التقليدية، ولم تعد الأخيرة المصدر الحصري للأخبار، مشيرا إلى أن المواطن الصحفي بات يؤثر في القضايا العامة وترتيب أجندة الجمهور، ما زاد من احتمالية تضخيم بعض القضايا أو تشويهها في ظل غياب التحقق، الأمر الذي يؤدي إلى تضليل الرأي العام وإرباكه عند اتخاذ مواقف من أحداث قد تكون مصيرية. وهذا سيف ذو حدين، فهو إيجابي حين يستخدم بمسؤولية لدعم القضايا العادلة، وسلبي حين يستغل لتزييف الوعي أو التشويش على الحقائق، ما يجعل الجمهور غير قادر على اتخاذ موقف أو قرار تجاه أحداث مهمة.
وبين الرجبي، أن مسؤولية المستخدمين والناشرين (صناع المحتوى) عظيمة، وتشمل التحقق من مصادر المعلومات قبل النشر أو المشاركة، واتباع القواعد الأخلاقية مثل احترام الخصوصية وعدم التسرع في إصدار الأحكام، مؤكدا ضرورة عدم التهاون في مكافحة الشائعات، وتعزيز الوعي الرقمي عبر إدخال مفاهيم التربية الإعلامية والرقمية في المناهج الدراسية.
وحول الحاجة إلى وجود تشريعات أو مدونات سلوك تنظم المحتوى الرقمي المتعلق بالشكاوى والمطالب، أكد الرجبي، أن الأردن يمتلك عددا من القوانين التي تغطي هذا الجانب، وهي كافية إلى حد كبير، إلى جانب وجود مدونات سلوك وأخلاقيات إعلامية يتعلمها الإعلاميون سواء خلال دراستهم أو عبر مؤسساتهم الإعلامية.
وأشار إلى أن التحدي يكمن في محورين أساسيين، أولهما عدم الالتزام بتطبيق هذه المواثيق كما ينبغي، والثاني يتمثل في انتشار صناع المحتوى الرقمي الذين تمكنوا من تحقيق شهرة واسعة بسرعة دون المرور بمراحل التدريب اللازمة، ما أدى إلى ضعف التزام كثير منهم بهذه المواثيق، بل وجهلهم بها في بعض الأحيان.
وقال إن الخوارزميات المعتمدة على قياس التفاعل والمشاركة تسهم في تعزيز انتشار المحتوى الرقمي بغض النظر عن جودة المحتوى، بل وتشجع في انتشار المحتوى غير الصديق للقوانين وأخلاقيات الإعلام. منوها إلى أهمية حماية حرية التعبير من خلال تفادي التوسع في تفسير القوانين بشكل فضفاض، وضرورة تعديل أي تشريعات يثبت أنها تضر بحرية التعبير، التي يجب أن تبقى مبدأ مشتركا بين صناع المحتوى، والإعلاميين، والدول.
وفي مقابلات أجرتها (بترا) مع عدد من المواطنين حول رأيهم في نشر الشكاوى والمطالب عبر منصات التواصل، قال المواطن محمد المراشدة، إنه اضطر إلى نشر شكواه عبر وسائل التواصل بعد أن تعذر حصوله على الخدمة التي كان يحتاجها، ما أدى لاحقا إلى تسريع الاستجابة لمطلبه، مؤكدا أن هذه المنصات أصبحت أداة مهمة لإيصال صوت المواطن، لكنها تتطلب التزاما بالمسؤولية والدقة في نقل المعلومات، وعدم استخدامها للتضليل.
من جهتها، اعتبرت دعاء الحياري، أن ليس كل ما ينشر عبر وسائل التواصل يعد مصدرا موثوقا للمعلومة، وأن بعض المنشورات تفتقر للدقة أو تعرض خارج سياقها، ما يؤدي إلى التضليل، مؤكدة أهمية التحقق من صحة المعلومات قبل ترويجها أو تبنيها، وأن التسرع في مشاركة أي محتوى قد يسهم في نشر الإشاعات أو تضخيم الوقائع بصورة تضر بالمصلحة العامة.
وفي ظل هذا الواقع المتسارع، يبقى وعي المتلقين هو الحصن الأول أمام فوضى المحتوى، حيث تتطلب المرحلة مزيدا من التروي قبل تبني أو مشاركة أي منشور، كما أن الحاجة باتت ملحة لوضع ضوابط وإجراءات واضحة لضمان مصداقية ما ينشر عبر هذه المنصات، بما يحقق التوازن بين حرية التعبير من جهة، وحماية المجتمع من التضليل وتأثيراته السلبية من جهة أخرى. فالمعلومة الخاطئة قد تشعل جدلا، وتحدث ضررا لا يقل عن الضرر الفعلي الذي يشكو منه أصحاب المنشورات.
--(بترا)

مواضيع قد تهمك