الأخبار

سلطان الحطاب يكتب : عندما تخون الخلايا!

عندما تخون الخلايا!
أخبارنا :  

– كتب سلطان الحطاب –

هذا اسم قد تخطفه احدى الأحزاب المتصارعة حتى يليق بها، ولكنه ليس كذلك، فقد اخترعه وأسقطه الدكتور عاصم منصور، على كتابه الجديد المتعلق بالتعامل مع السرطان، والذي جاءت سرديته تجمع ما بين المقالة والرواية المسندة الى حقائق علمية يختزنها السرطان.
ليس هذا الكتاب هو أول مواليد الدكتور منصور، بل سبقه كتاب جيد كتبت عنه وعنوانه (عامان من العزلة ومآلات الجائحة)، يتحدث عن الكورونا وقد كان كتاباً نافعاً وممتعاً، ابتعد فيه عن خشونة الطب وقسوة التعبيرات وتغريبها، واقترب من الإحساس النفسي والعاطفي والمشاركة الإنسانية.
نعود الى كتاب منصور الجديد، السرطان من المسافة صفر… عندما تخون الخلايا) وهو في التجربة الإنسانية اكثر منه في الحقل الطبي او …، وهذا الميدان من الكتابة عرفه أطباء في مصر وحولوا الكتابة عن الطب الى آداب، وظلت كتاباتهم مقروءة وجميلة.
الدكتور منصور يقتحم المكتبة الأردنية وحتى العربية، بكتابه الجديد، ويشرح السرطان ويحاصره بالكلمات ويتجرأ على ملامسته بالحروف، ليقول للقارئ، ودون أن يقول إن السرطان مرض … يمكن مواجهته ولجمه وإبعاده من الصفر الى مسافات متناهية، ويمكن محاكمة خلاياه الخائنة وعقيدتها.
أغبط الدكتور عاصم منصور، على نوعية كتاباته وعلى اختيار موضوعاته من محيط مهنته وعلى القدرة السردية الجميلة التي تليق بكاتب محترف، وقد استوقفني الموضوع والأسلوب وعدم التردد في تقديم شيء آخر بالكلمات غير الطب وغير موضوعات الكتاب عن مرض يخيف كثيراً، وقد رُسمت له صورة مفزعة، ويقول الدكتور وهو يقدم كتابه.
"كثيراً ما راودتني فكرة تاليف كتاب حول السرطان، لكن الشعور بالرهبة من طول الرحلة ووحشة الطريق، وقفا عائقاً حال بيني وبين خوض غمار هذه التجربة المعقدة، وما يكتنفها من مخاطر جمة، فهذا المرض الذي استنزف جُل حياتي (الكلام لمنصور)، المهنية جعلني اختصر الطب ببعدين: السرطان والأمراض الأخرى، ونجح في تغيير نظرتي للحياة”.
والسؤال من غير الدكتور عاصم، ليستطيع وهو المتمرس، بعد أن قدم إبداعه الأول عن كورونا، وها هو يقدم إبداعه الثاني عن خيانة الخلايا، وعن المسافة صفر، وهما مصطلحان يخيفان، فالمسافة صفر مصطلح اطلقته المقاومة وهو يحطم آليات العدو من المسافة صفر، ولذلك فإن يواجه السرطان من مسافة صفر بحكم المهنة وبحكم أن مدير أول وأهم مستشفى لمعالجة السرطان في الأردن، وربما في العالم العربي كله، فهو يعيش حيث يستقبل مرضاه مع ضحاياه، وبالتالي يراقبه.
الدكتور عاصم، وربما يسخّر من السرطان وهو يكتب عنه في مده وجزره وفي انتصاراته وهزائمه.
لا أعرف من حلل المرض بالكتابة أو الحديث كما فعل الدكتور عاصم، رغم أنني كاتب ورغم أن لي تجربة شخصية مع المرض، والدكتور يفترض أن المصاب كما لو كان يولد من جديد، وانه يكيف حياته بناء على هذا المرض وأن يبحث لحياته عن معنى جديد.
وانت تقرأ الكتاب تحس أنك تمد يدك مفتوحة بين يدي عراف ليطالع طالعك، ويتحدث عن غيب بلغة تمس وجدانك حزناً أو فرحاً، أنه يقرأ طالع كثير من المصابين ويتابع المرض معهم ويرصد خيانة الخلايا المنتشرة او قهقرتها ولكنه لا يبتعد بل يوجه من النقطة صفر، وهذا الانقلاب فيه قيمة حقيقية للكتاب، ولا يمضي الدكتور عاصم في غواية التعبير الأدبي أو الشعري، بل يتوقف عن المصطلحات، يستعملها الطب في العلاج التقليدي والحديث والعلاج المناعي، ويقدم شهادات من مرضى في رحلتهم مع المرض وخبراته التي أدركوها.
والدكتور خبرته تجمع ما بين الشخصي من خبرته بمرض جده بهذا المرض وإحساسه به وما بين من يراهم يومياً في حقل عمله كمدير عام لأكبر مستشفى متخصص فيي السرطان (مركز الحسين للسرطان).
وحيث بدأ الدكتور عاصم الأقرب في التخصص حين عمل في قسم الاشعة التشخيصية عام 2012، وما زال لليوم يقود المستشفى.
الكتاب يضع المرض والمريض معاً في دائرة واحدة وفي قلب تجربة عبر عنها الدكتور عاصم، بإبداع وفن وقدرة لا تنافس وهو لا يغادر الكتاب الاّ بتقديم النصح والتشخيص، ولذا تغلب عليه المهنة والكار قبل أن يغلق الكتاب بين دفتيه.

عروبة الاخباري

مواضيع قد تهمك