محمد خروب : توتّر متدحرج في العلاقات الصينية - الأميركية: حرب باردة أم...؟ (2ــ2)

استكمالاً لمقالة الأمس التي أضأنا فيها على حرب البيانات والتصريحات النارية، التي بدأها الجانب الأميركي على الصين. عبر رفع الرئيس/ترامب الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، والردود المُتبادلة بين واشنطن وبيجين خاصة جنوحهما إلى التشدد, ما استبطنَ استعداد كل منهما للمُضي قُدماً في المواجهة المُتدحرجة حتى نهاية الشوط. فقد بدا واضحاً أن هناك من الملفات الخلافية ما هو أبعد وأعمق بكثير، من مسألة الرسوم الجمركية التي سارعت بيجين إلى فرضها على بضائع وسلع ومنتجات أميركية ردّاً على القرار الأميركي.
تبرز في الأثناء ملفات خلافية عديدة, مثل مسألة تايوان ومَضيقها. كما ملف بحر الصين الجنوبي، وتزايد الحشد البحري الأميركي, وخصوصاً في طبيعة وازدياد التحالفات ذات الطابع العسكري، التي أقامتها واشنطن مع دول عديدة في المنطقة، مثل رباعي «كواد/QUAD», الذي ضم الهند واستراليا واليابان والولايات المتحدة، كما عزّزت الفلبين (التي ترتبط بمعاهدة دفاع مشترك مع واشنطن وأخرى مع طوكيو) تعاونها مع رباعي «كواد", فضلاً عن الدوريات البحرية التي تُسيِّرها الولايات المتحدة مع الفلبين واليابان واندونيسيا. كذلك الحال تعزيز علاقاتها ?لعسكرية بما في ذلك المُناورات المُشتركة مع دول مجموعة «آسيان».
أضف صفقات الأسلحة النوعية التي زوّدت بها إدارة بايدن تايوان, فضلاً عن «حذف» إدارة ترامب مُؤخراً عبارة من على موقع وزارة الخارجية الأميركية كان نصها يقول: إن (الولايات المتحدة «لا» تدعم استقلال تايوان)، ولم تكتف بذلك بل اضافت (على موقعها الإلكتروني) أن (تعاون تايوان مع مشروع البنتاغون لتطوير التكنولوجيا وأشباه المُوصلات، ستدعم ـ اضافت ـ عضوية تايوان في المنظمات الدولية كلما «أمكنَ ذلك».
ثمَّة في العالم وليس فقط في جنوب شرق آسيا مَن يعتقد بل يجزم أن الخلافات التجارية/ ورفع الرسوم الجمركية بين واشنطن وبيجين, لا تحتل المرتية الأولى على جدول أعمال القيادة الصينية, بل هي مسألة «توحيد» الصين, كما كانت قبل هروب تشانغ كاي شيك/ حكومة الكومنتانغ إلى تايوان, بعدما دحرتهم قوات ماو تسي تونغ في العام/ 1949. وكانت لافتة التصريحات الغاضبة والمُنتقدة بشدة للسياسة الأميركية, التي أدلى بها وزير الخارجية الصينية/وانغ يي في مؤتمر صحفي «عالمي», عقده في بيجين على هامش الدورة السنوية «البرلمانية»، حيث انتقد السي?سة «ذات الوجهين» التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه بلاده. «مُديناً» في إجابة على سؤال آخر سياسة «أميركا أولاً» التي رفعها ترامب بالقول: إن التركيز على عبارة «بلدي أولاً» والانشغال بـ(مواقف «القوة» سيُؤدي إلى «سيادة قانون الغاب» مُجدداً).
ومُواصِلاً الإجابة على أسئلة الصحافيين حول «التعددية القطبية» تحدث/وانغ يي: عن «أهمية أن يكون لكل الدول (صوت في الشؤون العالمية). مُشدداً على دور بلاده كـ«داعم للقيم الأممية للعالم النامي».. أمَّا عندما سُئِل/وانغ يي عن تصريحات/ترامب، التي أعلن َفيها «تخلّي واشنطن عن المنظمات الدولية، وتعليق المُساعدات الأميركية لبقية العالم، وتهديد الحلفاء التقليديين»، أجاب وانغ يي: «على الدول الكبرى أن تتحمّل مسؤولياتها الدولية وتَفي بها».
ولم تغِب «غزة» كما أوكرانيا عن المؤتمر الصحفي الذي عقده مسؤول الدبلوماسية الصينية الذي بدا فيها مُنتقِداً أو قل غامِزاً من قناة واشنطن في مسألة غزة وخطة ترامب الاستعمارية لتملك القطاع الفلسطيني المنكوب والمُدمَّر، وتحويله إلى مشروع عقاري ومُنتجع سياحي. عندما قال/ وانغ يي ردّاً على سؤال في هذا الشأن: غزة مُلك للشعب الفلسطيني وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية. وأي محاولة لتغيير وضع غزة بالقوة ـ أضافَ يي ـ لن تؤدي إلى تحقيق السلام، بل ستؤدي فقط إلى مزيد من الاضطرابات». أما في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا،?فقد أشار إلى أن «الأطراف المَعنية لديها ما يكفي من الحجج للجلوس على طاولة المفاوضات، وهو الطريق الأمثل لإنهاء الصراع». مُؤكدِاً في الآن نفسه أن «الصين كانت دائماً داعمة للسلام».
في السطر الأخير ثمَّة مؤشرات على أن العلاقات الصينية - الأميركية، سائرة نحو مزيد من التوتر وربما ما هو أبعد من ذلك ليس فقط في السعي الأميركي إلى «إبعاد» روسيا عن الصين (وهو مسعى نجزم بأنه سيفشل). بل خصوصاً في ما قد تقدم عليه إدارة ترامب من خطوات إستفزازية في المحيطين الهادئ والهندي، وارتباط ذلك بمسألة «تايوان». وهذا ما لفت إليه ولو «ضمناً» وانغ يي، عندما «انتقدَ» واشنطن في إجابة على سؤال: بشأن «استراتيجيتها في منطقة المُحيطين الهندي والهادئ»، مُعارِضاً نشر الولايات المتحدة للصواريخ متوسطة المدى في المنطقة،?مُعتبراً أن الوجود الأميركي في المنطقة «لم يُسهِم إلاّ في إثارة المشكلات وخلق الانقسامات». ــ الراي
kharroub@jpf.com.jo