الأخبار

عمالة الأطفال واقع مرير يسرق براءتهم ويهدد مستقبلهم

عمالة الأطفال واقع مرير يسرق براءتهم ويهدد مستقبلهم
أخبارنا :  

في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة عمان، حيث لا مكان للهدوء ولا للراحة، تعمل الطفلة (فاطمة) ذات الاثني عشر عاما بلا توقف في ورشة صغيرة لتحضير الأطعمة سلبتها طفولتها.
أجبرت ظروف الأسرة المعيشية الصعبة فاطمة على ترك مقاعد الدراسة للعمل؛ حيث تبدأ يومها مبكرا في تقشير الخضراوات وتقطعيها وتحضير الأطباق التي تستغرق منها ساعات طويلة من العمل المضني.
في هذا المكان المزدحم بالأصوات، كانت أحلام فاطمة تتناثر بين أركان المشغل بينما كانت عيونها تبحث عن فرصة صغيرة للهرب والنجاة من واقعها.
تقول لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بصوت خافت يشعرك بأنها فقدت الأمل: "كنت أرغب أن أصبح معلمة، أدرس الأطفال وأعلمهم وألعب معهم، لكن الحياة كانت أقوى من حلمي؛ فعندما أرى الأطفال ذاهبين إلى المدرسة وأنا هنا، أشعر بأنني ضائعة، ولا أستطيع فعل شيء"، لكن ما تخفيه فاطمة ليس مجرد قصة طفلة مجبرة على العمل، بل هو جزء من واقع أكبر يعيشه ملايين الأطفال في العالم.
يقول والد فاطمة الذي يعمل في البناء، ان دخله ضئيل جدا لا يكاد يسد رمق الأسرة واحتياجاتها الأساسية، ونحن نحتاج إلى كل قرش فابنتي فاطمة قررت العمل بنفسها لأنها لا تملك الخيار. لكن فاطمة التي يملؤها الحزن لفقدانها تلك اللحظات البسيطة التي يعيشها الأطفال في سنها بسبب ساعات عملها الطويلة تعبر بكلمات وكأنها تغص في حلقها عن رغبتها بممارسة حياتها الطبيعية والذهاب إلى المدرسة واللعب مع قريناتها، لكن لا وقت لذلك ففي كل يوم عمل يضيع الأمل، ويضيع حلمها في أن تكون ذات يوم طفلة مثل غيرها من الأطفال.
هذا يسلط الضوء على دور وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية في هذه المشكلة.
وزارة العمل: بلغ عدد المنشآت التي زارتها فرق التفيش التابعة للوزارة الهادفة للحد من عمل الأطفال العام الماضي في مختلف محافظات المملكة 3889 منشأة، وحررت 181 مخالفة لمنشآت قامت بتشغيل أطفال كما حررت 201 إنذار، فيما بلغ عدد الأطفال الذين تم ضبطهم في محافظة إربد خلال عام العام نفسه حوالي 294 طفلا.
وأكد الناطق الإعلامي لوزارة العمل محمد الزيود لـ (بترا) ان عملية التفتيش على عمالة الأطفال يشكل 15 بالمئة من الزيارات التفتيشية في العاصمة والمحافظات.
وبين ان لدى الوزارة قسما متخصصا بمتابعة الحد من عمل الأطفال، كما أن هناك آلية للتبليغ عن مقل هذه الحالات من خلال رابط إلكتروني مثبت على موقع الوزارة عبر بوابة التفتيش، وهو Childlabor.mol.gov.jo، الذي يعمل بالتنسيق والتعاون بين وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم بالإضافة إلى أن فرق التفتيش تقوم بجولات اعتيادية يومية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية سواء في فصل الصيف أو في غيره من الفصول للتأكد من مدى التزامها بعدم مخالفة أحكام قانون العمل بخصوص تشغيل الأطفال.
وأشار الزيود الى انه يندرج تحت مهام الوزارة التعامل أيضا مع أي شكوى بخصوص عمل الأطفال تُقدم من خلال المواطنين في مديريات ومكاتب العمل المنتشرة بالعاصمة والمحافظات، والتعاون مع شتى الأطراف للسيطرة على هذه الحالات والحد منها.
وأوضح ان المادة (73) من قانون العمل الأردني تنص على أنه "لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور"، فيما تنص المادة (74) من القانون ذاته أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهِقة أو المضرة بالصحة".
كما تحظر المادة (75) من القانون، تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد على أن يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متصلة، كما يحظر تشغيله بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا، وفي أيام الأعياد الدينية والعطل الرسمية وأيام العطلة الأسبوعية.
ووفق المادة (76)، فإن على صاحب العمل قبل تشغيل أي حدث أن يطلب منه أو من وليّ أمره تقديم عدة مستندات منها صورة مصدقة عن شهادة الميلاد، شهادة بلياقة الحدث الصحية للعمل المطلوب صادرة عن طبيب مختص ومصدقة من وزارة الصحة.
ويشترط أيضا موافقة ولي أمر الحدث الخطية على العمل في المؤسسة، وتحفظ هذه المستندات في ملف خاص للحدث مع بيانات كافية عن محل إقامته وتاريخ استخدامه، والعمل الذي استخدم فيه وأجره وإجازته.
وبما يخص المخالفات والعقوبات؛ فقد نصت المادة (77) على "يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة في حالة ارتكابه أي مخالفة لأي حكم من أحكام هذا الفصل أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن (300) دينار ولا تزيد على (500) دينار، ولا يجوز للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى أو الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية".
ولفت الى ان عدد المنشآت التي زارتها فرق التفيش في وزارة العمل بخصوص الحد من عمل الأطفال العام الماضي في المملكة بلغ 3889 منشأة، وحررت 181 مخالفة لمنشآت قامت بتشغيل أطفال كما حررت 201 إنذار، فيما بلغ عدد الأطفال الذين تم ضبطهم في محافظة إربد خلال عام العام نفسه حوالي 294 طفلا.

وزارة التنمية: ضوابط وخطط لإدارة حالة الأطفال العاملين والمتسولين.
تقول وزارة التنمية الاجتماعية ان نظام حماية الأحداث رقم (36) لعام 2024، والذي تم إقراره تماشياً مع قانون الأحداث النافذ رقم (32) لعام 2014 وتحديداً المادة (33) والمادة (47)، يهدف إلى تنظيم دور الوزارة وعلاقتها بالمؤسَّسات المعنيَّة، والتَّنسيق فيما بينها، لاتخاذ الإجراءات المناسبة، ووضع ضوابط ومنهجيَّة وخطط لإدارة حالة الأطفال العاملين والمتسولين.
وبينت انه تم إقرار النظام لغايتين هما: إيجاد إطار تشريعي ملزم، من خلال توفير البيئة التشريعية المتكاملة لضمان أكبر قدر من الحماية للطفل العامل؛ كالحماية من خطر استغلال أرباب العمل، أو الحرمان من التعليم، أو التجنيد غير القانوني، وغير ذلك من صور الحماية، والتي كانت في مجملها تقوم على توفير الحماية الاقتصادية والتعليمية دون التطرق للبعد الاجتماعي أو الوقائي في التعامل مع الطفل العامل.
والغاية الثانية: منح الوزارة الصلاحيات بالتعامل مع الطفل العامل، ضمن اطار قضائي يكفل حقوق الطفل ومصلحته الفضلى، من خلال التنسيق مع مختلف المؤسسات للتعامل مع حالة الطفل العامل ضمن منهجية إدارة الحالة.
وأضافت، ان النظام يخضع فئات الأطفال العاملين في خمسة مجالات تضمنت الحدث العامل خلافا للتشريعات، المتسول، المستجدي ولو تستر على ذلك بأي وسيلة من الوسائل، البائع المتجول أو العابث بالنفايات، وإذا كان في حالة من حالات استغلال الحدث في العمل بالسخرة أو العمل قسرا أو الاسترقاق أو الاستعباد أو التسول المنظم أو أي شكل من أشكال استغلال الطفل.
وأوضحت الوزارة انه يتم العمل حاليا على إعداد تعليمات، حسب المادة (13) من نظام حماية الأحداث رقم (36) لسنة 2024 ضمت تعليمات آلية التبليغ وادارة الحالة ، وآليات وإجراءات اعتماد جهات تنفيذ إدارة الحالة، وتعليمات اعتماد مقدم الخدمة والمشرف والمنسق، وتعليمات البرامج التأهيلية والخدمات والمؤسسات المماثلة لدور رعاية الأحداث.

الطب النفسي: عمل شاق لساعات طويلة في سن الطفولة.
أخصائي الطب النفسي الدكتور اشرف الصالحي يؤكد ان عمالة الأطفال لها تأثير سلبي من الناحية النفسية بالقدر ذاته على مستقبل الطفل الاجتماعي والأسري والعقلي.
وبين ان البيئة المحيطة بالطفل لها دور كبير في تنشئته وتكوين وتطوير شخصيته؛ لكن عمالة الطفل أكبر مسبب للاضطرابات النفسية والسلوكية، وتسلب حق الطفل في التعلم وأن يعيش مرحلة الطفولة وأن يلعب مع أقرانه.

وأضاف، إن الطفل العامل غالبا ما يفقد الشعور بالأمان والثقة بالنفس، حيث انه معرض للأذى من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى تعرضه لخطر الحوادث والاعتداء بالضرب؛ لأن الطفل يتعامل مع مختلف الفئات العمرية ومن مختلف المستويات القيمية حيث يكتسب الطفل الصفات والسلوكيات السيئة عند انخراطه في مكان غير مناسب له ولعمره.
ويشير الدكتور الصالحي الى ذلك يترك ندبة وضغينة بالشعور الباطن للطفل على المجتمع ما قد يكون سببا أو دافعا للقيام بسلوكيات لا أخلاقية منها السرقة والكذب وعدم احترام الغير، وافتعال المشاكل للتعبير عن غضبه أو يصبح عديم الإحساس ومؤذيا للآخرين، إضافة الى اضطراب الشخصية.
وأشار الى ان التعرض للعمل الشاق لساعات طويلة يؤثر سلبا على الطفل وينمي الشعور بانعدام القيمة، واضطراب الشخصية والاكتئاب ما قد يتسبب بايذاء نفسه، او الانتحار او الهروب من المجتمع.

الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش قالت ان عمالة الأطفال تؤثر سلبًا على ثقة الطفل بنفسه من خلال عدة جوانب، إذ يشعر الطفل بالدونية نتيجة الاستغلال والإساءة المتكررة، ما يقوض إيمانه بقدراته، مشيرة الى أن تكليفه بأعمال تفوق طاقته تولد لديه شعورا بالعجز والفشل، والخجل من نفسه أمام الآخرين، وتفضيله العزلة عن محيطه.

وقالت، إن الحرمان من التعليم عامل آخر يقوض ثقة الطفل بنفسه، حيث يشعر بالنقص مقارنة بأقرانه، كما أن التعرض للصدمات النفسية نتيجة العنف والإساءة يزيد من تفاقم هذه المشكلة، ويشعر الطفل العامل بالدونية بسبب نظرة المجتمع إليه، ويعاني من التوتر والقلق المستمر، وقد يصاب بالاكتئاب بسبب اليأس والاحباط ويجد صعوبة في بناء علاقات اجتماعية سليمة، وقد يتعلم سلوكيات سلبية كالعنف والعدوان.
وبينت انه يمكن معالجة الآثار النفسية لعمالة الأطفال من خلال مجموعة متنوعة من العلاجات النفسية، بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد الأطفال على تغيير الأفكار والسلوكيات السلبية، والعلاج باللعب والفن الذي يوفر وسيلة للتعبير عن المشاعر الصعبة، والعلاج الأسري الذي يحسن التواصل والدعم داخل الأسرة، والعلاج بالصدمات للأطفال الذين تعرضوا لصدمات شديدة، والعلاج الجماعي الذي يوفر الدعم والتضامن، ويعتمد اختيار العلاج المناسب على احتياجات الطفل الفردية وشدة الآثار النفسية، ولذلك ينبغي استشارة أخصائي نفسي مؤهل لتقييم الحالة وتحديد العلاج الأنسب.
--(بترا)

مواضيع قد تهمك