يبدو أن الصين والتي نأت بنفسها عن التدخل بحرب أوكرانيا او حرب غزة بتمويل اي طرف لم يكن ذلك من فراغ حيث كان لدى الإدارة الصينية حكمة من ذلك وهي التفرغ لإقتصادها لأنها تريد أن تتربع على عرش الإقتصاد العالمي في الفترة القادمة،فهي التي أطلقت مشروع الحزام والطريق عام 2013 لخدمة إقتصادها وتوسعها ليشمل الطرق اللوجستية التي تربط معظم دول العالم عن طريق البر والبحر من خطوط سكك حديدية إلى خطوط غاز ونفط إلى موانىء تخزين ،منتهية بطريق التكنولوجيا وهي الأهم.
لقد تفوقت الصين إقتصاديا بتسجيل رقم قياسي للعام الماضي 2024 بترليون دولار بفائضها التجاري ،وأتت الأخبار المتسارعة من الصين وبالذات من شركاتها التكنولوجية لإحداث المفاجآت وهو التفوق بالذكاء الإصطناعي من ناحية منافسة مثيلاتها من الشركات التكنولوجية الأمريكية بأسعار 5% من تكلفتها، وهي تطلق الآن تباعا منصات وبرامج وتطبيقات في الذكاء الإصطناعي لتكتسح العالم بسرعة البرق ،في حين إستغرق ذلك الشركات الأمريكية وقتا طويلا منذ إطلاق الثورة الصناعية الرابعة في منتدى دافوس الأقتصادي عام 2016 ،والغريب في الأمر أن الشركات الأمريكية ذات الطابع التكنولوجي هي التي سيطرت على الأسواق العالمية وحركت الإقتصاد الأمريكي طيلة العقد الماضي،حيث ساهمت تقريبا في 50% من ناتجها الإجمالي ، والشركات الأمريكية المستحوذة على ذلك هي أنفيديا ومايكروسوفت وأمازون وإكس وشركة تسلا وأبل وأوراكل والميتا بلاتفورم المالكة لفيسبوك وألفا بيت المالكة لشركة غوغل .
إن إطلاق الشركة الصينية ديب سيك برنامجها للذكاء الإصطناعي أطاحت بالقيمة السوقية لشركة إنفيديا الأمريكية بخسارة قرابة 600 مليار دولار في حين خسرت خمس شركات تكنولوجية أخرى قرابة 900 مليار دولار، وسيكون عام 2025 مليء بالمفاجآت من قبل الصين والتي ستدفع الى إنهيار جزئي للأسهم التكنولوجية الأمريكية في السوق المالي الأمريكي نتيجة الخسائر التي ستتلقاها تلك الأسهم والإنخفاضات الكبيرة للقيم السوقية للشركات التكنولوجية الأمريكية.
كل ذلك والرئيس الأمريكي ترامب يطلق تغريدات وخطابات ضبابية من ناحية رفع رسوم جمركية على الواردات الصينية والأوروبية،وتهديده بإحتلال قناة بنما وجزيرة جرينلاند وكندا والخلافات من دولة أمريكيا اللاتينية مثل كولومبيا وغيرها،وترحيل الفلسطينيين من غزة ،وترحيل المهاجرين غير الشرعيين داخل بلاده والذين ساهموا في العمل في البنية التحتية الأمريكية والخدمات والمصانع بعمالة رخيصة الثمن كانت القيمة المضافة في الإقتصاد الأمريكي المتعثر من الأساس وذو المديونية المرتفعة قرابة 36.2 ترليون دولار ومن المتوقع أن تهدد هذه المديونية بإغلاق حكومي جديد هذا العام إذا لم يتم تدارك الأمر، وكذلك مشكلة ترامب مع سياسة الفيدرالي الأمريكي المتشددة ، لأن ترامب يريد ضخ الأموال وتشجيع الإقتراض المحلي لتشجيع الشركات والصناعات ،فتخفيض الفائدة ليست كبسة زر كما يروج لها ترامب ،فما عمله الفيدرالي هذا الشهر من تثبيت الفائدة يدل على عدم التعافي من مشكلة التضخم فما بالك إذا إرتفعت الأسعار نتيجة الضرائب الجمركية التي سيفرضها ترامب على الواردات؟ بالطبع سيضيع مجهود الفيدرالي على مدار الأعوام السابقة لمحاربة التضخم.
لقد تأثر الذهب بهذه التخبطات وسجل إرتفاعا قياسيا جديدا،وبدأ الجميع يتحدث عن العملات المشفرة لتحل محل الدولار ،حيث أوصى الرئيس التنفيذي لبلاك هوك والتي تدير اصولا قرابة 11.5 ترليون دولار بأن تستحوذ الخزانة الأمريكية على 30% من هذه العملات كتحوط من إنهيار الدولار في المستقبل وخصوصا أن إدارة بايدن السابقة قامت بضخ ترليونات من الدولارات غير المدعمة بالذهب،فمجرد أي محاولة من بريكس لصك عملة جديدة سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الدولار .
في الختام يجب على إدارة ترامب أن تتصرف بحكمة مثل الصين ،حيث إن التخبط في التصريحات التي من شأنها أن تؤثر على الأقتصاد العالمي بشكل عام والذي يرزح تحت مديونية تصل الى 320 ترليون دولار ويؤثر كذلك على الإقتصاد الأمريكي بشكل خاص ،فالقرارات السياسية لا يمكن فصلها عن الإقتصادية ،فلا يكفي إيقاف الحروب ،لكن الأهم ما بعد ذلك الإيقاف والعلاقات التشاركية بين الدول بعيدا عن الفوقية ،وحل المشاكل السياسية العالقة القديمة حلا جذريا، كل ذلك ليبقى الإقتصاد الأمريكي في المقدمة وإلا فإن الحكمة الصينية ستوظَف في إقتصادها لتزيح الولايات المتحدة عن عرش الإقتصاد العالمي وتحل محلها ربما قبل عام 2033
الخبير والمحلل الإستراتيجي والإقتصادي.
مدير عام مركز جوبكينز للدراسات الإستراتيجية.
المهندس مهند عباس حدادين.

رابط الخبر 

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=122105782154738668&id=61572160052228&mibextid=qi2Omg&rdid=lgyVeOliDOJCM75R#