د.بيتي السقرات تكتب : "التعليم في الأردن: من مجد الماضي إلى تحديات الحاضر ورؤية للإصلاح"
د.بيتي السقرات/الجامعة الأردنية
كان التعليم في الأردن، من الصف الأول وحتى الثانوية العامة، مصدر فخر على الصعيدين العربي والعالمي. فقد تميز الطالب الأردني بإتقان جغرافيا الوطن العربي، والإلمام بتاريخ أوروبا، والتفوق في اللغة الإنجليزية بجهد تدريسي محدود داخل المدرسة، ودون الحاجة إلى مساعدة الوالدين في المنزل. آنذاك، كانت المدرسة بيئة للتربية الأخلاقية والتعليم القويم، تلعب دوراً حيوياً في صقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته.
إضافة إلى ذلك، كان التعليم المهني رافداً مهماً لسوق العمل، حيث لم يكن وسيلة عقابية للطلبة الأقل تفوقاً، بل مساراً لتأهيل كوادر مهنية قادرة على المساهمة بفعالية في الاقتصاد. وقد أتيح للمتفوقين في التعليم المهني فرصة مواصلة تعليمهم الجامعي في تخصصات تتناسب مع مهاراتهم واهتماماتهم.
إلا أنه في وقتنا الحالي، يشهد التعليم في الأردن تراجعاً ملموساً انعكس سلباً على مستواه وجودته. أصبحت مهنة التعليم تُمارس من قبل معلمين يفتقرون إلى التأهيل المناسب، فيما باتت المناهج الدراسية عبئاً على الطالب، مما زاد اعتماد الأهل على الدروس الخصوصية لتفسير محتوى غامض وغير مكتمل. أصبح الطالب في ظل هذا الواقع أشبه بآلة تُعبَّأ بمعلومات غير مترابطة، مما يجعل من الصعب استيعابها أو البناء عليها لتحقيق الفائدة المرجوة.
هذا الواقع يحتم علينا اتخاذ خطوات جادة للإصلاح. البداية تكون بالعودة إلى المناهج التي كانت معتمدة سابقاً وأسهمت في تأسيس أجيال متميزة على مستوى العالم العربي والعالمي، مع تحديث هذه المناهج بما يتناسب مع احتياجات الطالب والمجتمع، وتصحيح ما ثبت خطؤه علمياً. إلى جانب ذلك، يجب التركيز على تأهيل المعلمين من خلال دورات تدريبية متخصصة ومراقبة، بحيث لا تقتصر مؤهلاتهم على الشهادات فقط، بل تشمل حب المهنة والاستمتاع بالعطاء التربوي.
لا يقل أهمية عن ذلك تحسين أوضاع المعلمين المادية لضمان استقرارهم المهني، مع وضع قوانين صارمة تُجرِّم ممارستهم للدروس الخصوصية. كما ينبغي إعادة تقسيم المسارات التعليمية إلى المهني بعد الصف التاسع، والأكاديمي بعد الصف العاشر، لضمان تلبية احتياجات الطلبة وفق ميولهم وقدراتهم. ومن المهم ألا يكون الطالب ميداناً للتجارب غير المدروسة التي قد تكون نتائجها كارثية على المدى البعيد.
إضافة إلى ذلك، يتطلب الوضع الحالي تطوير المدارس المهنية والاهتمام بنشرها في مختلف المحافظات، خصوصاً البعيدة منها، لإتاحة خيارات مهنية مستقبلية لأبنائها تسهم في خدمة مدنهم وتنميتها.
كان التعليم وما زال الركن الأساسي لبناء الوطن وإعداد أجياله القادمة. وكما قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظمة :
"أنا أؤمن بأنه إذا كان هناك حل واحد جذري يعالج معظم التحديات والمشاكل التي يواجهها العالم العربي، فهو التعليم."
التعليم هو الطريق نحو المستقبل، والاستثمار فيه هو الاستثمار الحقيقي لبناء مجتمع واعٍ وقادر على مواجهة تحديات العصر.