عصام قضماني : لماذا لجأ الاردن إلى صندوق النقد؟
هذا السؤال عاد ليطرح من جديد فاذا كان الاردن يستطيع ان ينفذ برنامجا خاصا به الاصلاح الاقتصادي فلماذا يلجآ الى مؤسسة دولية مثل صندوق النقد لوضع مثل هذا البرنامج؟.
كاتب هذا العمود مع القناعة التامة بقدرة الاردن على فعل ذلك فالخبرات التي يمتلكها توازي ان ام تتفوق على خبراء الصندوق فلماذا لا يقوم ببرنامجه الخاص دون الحاجة الى الصندوق؟.
لا بد من ان نذكر هنا ان قرار اللجوء الى صندوق النقد الذي اتخذ عام ١٩٨٩ على اثر ازمة مالية واقتصادية باتت معروفة الاسباب والاثار كان قرار دولة ولم يكن قرار وزراء او فريق ما في حكومة ما.
هناك سببان يدعوان دولة ما إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الأول اختياري هدفه الاستفادة من خبرات الصندوق الفنية، والثاني إلزامي هدفه الحيلولة دون التوقف عن سداد الديون.
الأردن لجـأ إلى الصندوق مضطراً، عندما نضب احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، وعجزت وزارة المالية عن دفع الأقساط والفوائد المستحقة.
من اهداف البرامج المتتالية للتصحيح هي إقناع الدول المانحة والدائنة بأن الاقتصاد الأردني يسير بالاتجاه الصحيح، وأن المركز المالي للمملكة سليم وان منحه مزيد من القروض لن يكن مجازفة كبيرة.
ربما البرنامج الوحيد الذي كان ملزما او على طريقة ما يعرف بالشروط هو برنامج هام ٨٩ ومن اطلع على تلك الفترة يستطيع معرفة دوافع وضع الشروط التي كانت ملزمة للحكومات في ذلك الوقت ثم انتقلت البرامج الى مرحلة الشروط المخففة او المتفق عليها لتصبح اخيرا برامج توافقية بمعنى انها توضع بالاتفاق بين الحكومات والصندوق ما يمكن الحكومة من وضع بدائل حتى ان بعض المحللين اتهموا الصندوق في كثير من الاحيان بتواطؤ مع الاردن !!.
من الطبيعي ان تكن التسهيلات المالية التي يقدمها الصندوق مشروطة، وبالتالي فإن هناك قدراً من التنازل في بعض القرارات اما وقد اصبح الاقتصاد على السكة بمعنى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي وكفاءة الادارة المالية وانتظام في سداد الديون واقساطها ووجود حيز مالي مريح فلم تعد بنود البرنامج تسمى شروطا بل تفاهمات تتاكد من سلامة الاجراءات ومن انها تقود الى تحقيق اهداف التصحيح بغض الطرف عن الطريقة.
في الحالة الاختيارية فان البرنامج يعد تأشيرياً، إن تحققت أهدافه فهذا حسن، وأن لم تتحقق فليست هناك ضغوط واظن ان هذه الحالة قد بلغها الاقتصاد الاردني بعد سلسلة من البرامج.
يحب ان نقر بان الصندوق لا يفرض نفسه ولكنه ُيستدعى طلباً للمساعدة، والأردن عضو في الصندوق يملك جزءاً من رأسماله،
اختار الأردن أن يواصل مع الصندوق في برامج تصحيح اقتصادي والحقيقة هي برنامج واحد ممتد او ممدد مع أنه وصل الى مرحة تمنحه القدرة على تسديد أقساط وفوائد الديون في مواعيدها، ولم يطلب في اي مرحلة بإعادة الجدولة أو أية تنازلات من الدائنين، وهو ما دام مستفيدا من شهادات الصندوق ومصداقيته بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، فهو يحصل على ثقة المانحين والدائنين والمستثمرين.
ليس عيباً أن تطبق دولة ما برنامجاً للتصحيح الاقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي، العيب يكمن في السماح للوضع المالي بالتدهور لدرجة تجعله مضطرا إلى هذا البرنامج.
ليست الحكومات المأزومين هلا فقط المأزومة ماليا هي من يلجأ الى مشورة الصندوق وقد رأينا ان دولا كبرى وقرية لجأت الى مشورة الصندوق في اوروبا وحتى من بين الدول المنتجة للنفط.
السؤال: لماذا نحتاج للصندوق لكي يرشدنا إلى الطريق الصحيح ويردنا عن الانحراف؟.
لنقر هنا ان الادارات المالية المتعاقبة ساهمت بقصد او من دون قصد في الوصول الى هذه النتيجة ما فرض اللجوء إلى الصندوق، والاخطاء غير المعترف بها ومنها التوسع في الدعم الاستهلاكي، وتخفيض الأسـعار، وزيادة الرواتب، وتخفيض الضرائب، دون مراعاة توصيف الدولة الفقيرة ايصا هي ما قادت الى هذه النتيجة.
الصندوق قام نظير الالتزام ببرامجه بتوفير التمويل اللازم لانجاح برامج الإصلاح بأقل كلفة اجتماعية، وعلى مدى زمني معقول، بدلاً من العلاج القاهر !!..
هدف البرامج هو عدم توسيع فجوة العجز المالي في الموازنة وما يتبع ذلك من زيادة في المديونية التي تتجاوز حدود الأمان.
صندوق النقد الدولي مكروه لانه يفرض اجراءات لا تقبل الحكومات بها لاسباب شعبوية فقط.
الحكومات التي لا تبادر وتنتظر التعليمات هي التي ترتهن للشروط اما الحكومات الجريئة والمبادرة فهي التي لا تترك مجالا لفرض اية شروط ولا حتى بالقبول بها. فهي التي تفرض على نفسها إجراءات أشد وأعمق مما يطلب الصندوق.
اللجوء الى صندوق النقد قرار دولة وهو ليس قزاز فريق في الدولة ومعارضته واجبة لكن شريطة ان يرافقها برنامج برنامج وطني لا يقل جدية وصرامة. ــ الراي
qadmaniisam@yahoo.com