كامل النصيرات : الجزار الذي أكلته الحرب
كان يا ما كان، في زمنٍ مجنون، هناك جزار... مش جزار عادي يبيع اللحم، لا. جزار من نوع ثانٍ، جزار يصنع الحروب، يشعل الفتن، ويتلذذ بمنظر الدمار. كان يجلس خلف مكتبه الفخم، يوزع الأوامر يمينًا ويسارًا، وكل ما يشوف النار تشتعل، يبتسم كأنه عم يشوف مشهد من فيلم أكشن هو المخرج فيه.
بس الجزار نسي إشي مهم، نسي إنه الحروب مش كمان صنف من البضائع اللي بيتحكم فيها. نسي إنه الحرب لما تشتعل، ما بتفرق بين اللي شعلها واللي وقع فيها. كانت الحرب تزحف مثل وحش جائع، كل يوم تقترب أكتر وأكتر، والجزار يتفرج من بعيد، مطمئن إنه بعيد عن نيرانها. لكنه نسي إنها مثل الدخان، ما في حد بعيد عن تأثيرها.
يوم ورا يوم، وكلما أكلت الحرب جزءًا جديدًا من الأرض، كان الجزار يضحك، يقول لنفسه: «أنا اللي صنعتها، وأنا اللي بتحكم فيها». لكن الحرب مثل الغول، كل ما شبعته دمار، زاد جوعه، وكلما عطشته دماء، طلب المزيد. الجزار فكر إنه يقدر يوقفها في أي وقت، لكن المفاجأة كانت لما اكتشف إنه صنع وحش ما إله زر توقف.
وجاء اليوم اللي وصل فيه الوحش لعند بابه. دقّ الحديد، وصرخ الدمار، ووصلت النيران لعقر داره. حاول الجزار بكل قوته يوقفها، يحاول يشرح لها: «أنا اللي صنعتك! أنا اللي سيّرتك!» لكن الحرب، يا حبيبي، ما بتسمع لأحد. نظرت له وكأنه واحد من ضحاياها، ودون تردد، دهسته بكل عنف. الجزار صار واحدًا من الأرقام في قائمة الخسائر اللي كان يوزعها على شاشات التلفزيون.
كانت صرخاته ألمًا، لكن ما حدا سمعه. اللي صنع الحرب، صار أضعف شخص أمامها. الناس اللي كان يحركهم مثل البيادق، صاروا يشوفوا دمه يسيل زي أي ضحية أخرى. الحرب التهمته بلا رحمة، لأنه ببساطة... ما في حرب بتبقى تحت السيطرة. اللي بيشعل النار ويفكر إنه محصّن، لازم يعرف إنه أول اللي بتحترق فيه.
الجزار صار ضحية مثل اللي كان يرميهم للنيران، والحرب اللي صنعها بكل غرور، دمرته وكأنه ولا شيء. وبقيت الحرب تزحف، تبحث عن جزار جديد. ــ الدستور