الحوكمة والإدارة في النظام الصحي مفهومان مختلفان ولكنهما متكاملان ومتداخلان في كثير من الاحيان، وبالرغم من هذا التداخل المعقد تلعب كل منهما دورًا حيويًا في تحسين اداء النظام الصحي وضمان جودتة ان حسن تطبيقهما، اذ تشير الحوكمة الصحية بشكل واضح ومباشر إلى السياسات والأطر التشريعية والقوانين والانظمة والقواعد التي تنظم وتوجه كيفية إدارة النظام الصحي.

وحتى تكون الحوكمة فعالة يتطلب الامر وجود هياكل تنظيمية قوية، ورؤية واضحة وشراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص وآليات واضحة لتعزيز التنسيق بين مختلف مقدمي الخدمات الصحية.

إن من أساسيات وأبجديات الحوكمة الصحية الفعالة إنشاء بيئة تشاركية يتم من خلالها تحديد المسؤوليات والمساءلة بين مكونات النظام الصحي والجهات الفاعلة الاخرى، مثل الحكومة - الوزارة - مقدمي الخدمات الصحية، و الشركاء الآخرين بمن فيهم أفراد المجتمع، فالحوكمة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وضمان التوازن بين اتاحة الخدمات الصحية وجودتها، مما يسهم في تحسين جودة حياة المواطنين.

من جهة أخرى، تركز الإدارة الصحية على تطبيق الأدوات الإدارية والعمليات اليومية والتشغيلية داخل المؤسسات والمرافق الصحية المختلفة التي يتكون منها النظام الصحي من خلال التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، اذ تشمل مهام الإدارة - من ضمن ما تشمله -ليتسنى لها ادارة هذه المكونات، تنظيم الموارد البشرية والتكنولوجية والمالية والمادية لضمان تقديم خدمات صحية فعالة وذات جودة عالية تحقق رضا المواطنين والمرضى منهم، إذ تتضمن مهام الإدارة تحسين الأداء، إدارة المخاطر، تدريب الموظفين واعداد خط الاحلال الوظيفي للمستويات الادار?ة المختلفة وهو ما يتم التغافل عنه في كثير من الاحيان بقصد وبغير قصد.

باختصار، بينما تركز الحوكمة على السياسات والأطر التنظيمية العامة التي تنظم النظام الصحي، تركز الإدارة على التنفيذ العملياتي والعملي لهذه السياسات داخل المؤسسات الصحية.

يمكن للحوكمة تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة حيث تساهم في وضع قواعد واضحة تضمن الشفافية في الاجراءات والعمليات الصحية، مما يسمح بمراقبة الأداء وتقييم النتائج بشكل دوري وهذا يعزز المساءلة بين مقدمي الخدمات الصحية، ويمكن للحوكمة ايضا ومن خلال تطوير العلاقات بين الجهات الفاعلة في النظام الصحي ومن خلال تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومقدمي الخدمات الصحية ومنظمات المجتمع المدني، يمكنها ان تؤدي الى تحسين وزيادة فرص التنسيق وتبادل المعلومات، ما سيؤدي ايضا إلى خدمات صح?ة أفضل وأكثر تكاملاً.

يجدر القول ان الحوكمة الفعالة تعتمد على استخدام البيانات المدققة والمعلومات الدقيقة في صنع القرار، مما يسهم في تحسين السياسات الصحية وتوجيه الموارد بشكل أكثر فعالية وعدالة، بهذه الطرق، تساهم الحوكمة في تحسين جودة الرعاية الصحية وتعزيز صحة المجتمع بشكل عام.

يؤكد خبراء الانظمة الصحية أن أفضل الممارسات العالمية في الحوكمة الصحية تتضمن عدة عناصر رئيسية تهدف إلى تعزيز كفاءة وجودة النظام الصحي ويعتبرون تعزيز الشفافية العنصر الاساسي للممارسة الفضلى للحوكمة والتي تتطلب أن تكون المعلومات المتعلقة بالسياسات الصحية والقرارات الإدارية متاحة للجمهور، مما يعزز الثقة بين المواطنين والجهات الصحية، اما المساءلة فتتطلب أن تكون هناك آليات واضحة لمحاسبة المسؤولين عن تقديم الخدمات الصحية، مما يضمن التزامهم بالمعايير الأخلاقية والمهنية.

ولا يفوتنا القول إن التعاون مع القطاع الخاص من خلال إشراكه في تقديم الخدمات الصحية يمكن أن يعزز من الكفاءة ويزيد من التغطية الصحية، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد البشرية والمالية.

تشترك الحوكمة والادارة في تطوير القدرات المؤسسية من خلال تدريب الكوادر البشرية والمزيد من الاستثمار في تدريب العاملين في القطاع الصحي لضمان قدرتهم على التعامل مع التحديات المتغيرة وتحسين جودة الخدمات المقدمة، ولتعزيز فعالية السياسات الصحية لا بد من إنشاء نظم معلومات فعالة لجمع وتحليل البيانات الصحية يساعد في اتخاذ قرارات مستندة إلى الأدلة، ولان هاجس أي نظام صحي هو توفير الرعاية الصحية للجميع مع ضرورة التركيز على العدالة الصحية والتأكيد على أهمية توفير خدمات صحية عادلة ومتاحة لجميع فئات المجتمع، تسعى الحوكم? المستدامة إلى ضمان الوصول العادل إلى الخدمات الصحية لجميع فئات المجتمع، بمن في ذلك الفئات الضعيفة والمحرومة. كما ان تشجيع المشاركة الفعالة للمجتمع في صنع القرار يعزز من فعالية السياسات الصحية، علينا ان نعتبر آراء المواطنين وملاحظاتهم جزءًا أساسيًا من عملية التخطيط والتنفيذ.

وجب التنوية أن القدرة على الابتكار والتكيف مع التغيرات والتحديات من القيم الأساسية للحوكمة المستدامة، يجب أن تكون هناك استراتيجيات لتبني التكنولوجيا الحديثة وتحسين العمليات الصحية بشكل مستمر، من خلال تبني هذه القيم، يمكن تعزيز فعالية القطاع الصحي وضمان استدامته على المدى الطويل.

خلاصة القول وزبدة الكلام، يمكن أن تسهم الحوكمة في تحسين الأداء الإداري من خلال وضع معايير واضحة لتقييم الأداء وتحديد المسؤوليات، اذ يساعد ذلك على تعزيز الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات الصحية، كما تساعد الحوكمة في توجيه الجهود نحو تحقيق نتائج ملموسة في تحسين الصحة، ويمكن لها أن تلعب دورًا محوريًا في تحسين العلاقات بين مختلف الجهات الفاعلة في القطاع الصحي وتعزيز فعالية النظام الصحي بشكل عام. ــ الراي