الأخبار

د. حنين عبيدات : «الأحزاب نشأتها و أنواعها»

د. حنين عبيدات : «الأحزاب نشأتها و أنواعها»
أخبارنا :  

قبل تأسيس التمثيل البرلماني في الدول كان مصطلح الأحزاب يطلق على (الطوائف و الجماعات ذات الفكر الأوحد، و الفرق العقائدية) و التي اتفقت رغبات و ميول أفرادها لتبعية شخص واحد ذي صفات مقبولة للجميع ماديا و معنويا، أو كالجماعات التي شكلت ذاتها من التجار و الصناعيين و رجال الأعمال، و لكن لم تكن هذه التجمعات تمثل أحزابا سياسية لأنها لم تكن معنية بالتنازع على السلطة السياسية أو إثبات الوجود في المجالات العامة، أو الإجتماع و التلاقي مع المجتمعات و إقناعها بمشاريعها و أفكارها و رؤاها و اعتقاداتها الهامة لتأسيس أحزاب سياسية، لذلك هذه الجماعات لم ترتقي لمسمى الحزب السياسي أو (تجمع ذو طابع سياسي) لأنه ينقصها الفكرة و الفكر السياسي و المشروع و أدوات التواصل مع المجتمعات.

تكونت الأحزاب السياسية مع نمو و تطور الديموقراطية و ذلك بتطور الأنظمة و التكتلات السياسية و نشوء اختلافات مختلفة في بنية المجتمعات اقتصاديا و فكريا تدريجيا و بشكل متنام. فالجماعات السياسية كلما كانت متوافقة على فكرة معينة أو مشروع و برنامج فإن رقعتها تتوسع في المجتمعات، و تصبح مشكلة من ممثلين و ناخبين.

لقد بدأت تظهر ملامح الأحزاب السياسية في القرن الثامن عشر من خلال تكتلات سياسية تمثل فئات المجتمع في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية، و ذلك بتوسيع دائرة العمل السياسي من داخل هذه التكتلات إلى خارجها لتشكل ناخبين (مؤازرين) للمرشحين الذي يطرحون أنفسهم لتمثيل الفئات السكانية و طرح المشاريع و الأفكار عليها.

و من ثم تطور الحزب السياسي ليعنى بالفئات التي تخص المجالس التمثيلية (لجان برلمانية) حتى تكون نظاما حزبيا قادرا على التماشي مع نمو الديموقراطية.

و في القرن التاسع عشر، نتيجة الحركة العمالية و العلاقة بين العمال و الرأسماليين، انبثقت أحزابا جديدة بطابع مختلف، و هو الطابع الإقتصادي و هذه الأحزاب شكلت مع تكتلات اجتماعية أخرى أحزابا خاصة (كالأحزاب الديموقراطية الإجتماعية)، و كانت هذه الأحزاب أحزابا حقوقية و نضالية، استخدمت كل الوسائل للحصول على ماتريد حتى أصبحت أحزابا جماهيرية لها مؤازروها و منتسبوها.

و بعد الثورة البلشفية في عام (1917) و هي الثورة التي قام بها البلاشفة بقيادة (فلاديمير لينين) لقيام الحكم الإشتراكي و تعتبر أول ثورة شيوعية في القرن العشرين، و قد نتج عنها بعض التكتلات و الأحزاب و التنظيمات السياسية كالإتحاد السوفييتي و الذي تبنى رؤى و أفكار لينين، و اعتبر هذا الحزب حتى عام (1993) القطب الثاني في العالم مع أمريكا.

و قد تشكلت تكتلات سياسية أخرى اتخذت من (موسليني _الفاشية) نموذجا في العمل و طرح الأفكار و المعتقدات وكانت هذه التكتلات أكثر مركزية و تماسكا.

أما في عالمنا العربي فقد نشأت الأحزاب بناء على حركات الاستقلال من الإستعمار و ما بعد الاستقلال منه، فمنها تكتلات و جماعات سياسية كانت تعمل سرا، و منها ما نشأ بعد التخلص من الإستعمار و هي الأحزاب الجماهيرية (القومية مثالا) و التي تمركزت لاحقا حول زعيم الحزب و السلطة المطلقة.

إن الأحزاب التي تشكلت في العالم العربي كانت خليطا من الأحزاب الغربية (الأوروبية، الروسية)، أو أحزابا جماهيرية (الشيوعية، القومية) أو أحزابا قائمة على الإتجاهات العقائدية و الدينية (حزب الإخوان المسلمين)، و هذه الأحزاب منها ما انتهى و منها ما بقي مع نشاط قليل و منها ما بقي بقوة، و ذلك حسب ترسيخ مبدأها في العمل الحزبي و السياسي عند المجتمعات و تكوين حواضن و قواعد شعبية لها.

أنواع الأحزاب:

تختلف الأحزاب في أسس تشكيلها و أنظمتها، و لها تصنيفات متعددة منها ما يعتمد على الفكر أو العقيدة، كالأحزاب البراغماتية و الأيدولوجية و أحزاب الأشخاص..

١. الأحزاب البراغماتية: هي الأحزاب التي تتغير برامجها و اتجاهاتها حسب الظروف المتغيرة و تتكيف مع هذه الظروف.

٢. أحزاب الأشخاص: هي الأحزاب التي ينشئها الشخص و يحدد اتجاهها و مسارها و يتحكم بمبادئ و قواعد الحزب و قد يغير و يعدل فيها، و يكون له السلطة المطلقة في الحزب، و منها من قام على الفكر و من ثم أصبحت مع الوقت أحزاب الشخص الواحد و مؤازريها لهم ولاء مطلق للزعيم و سلطته، مثل بعض الأحزاب التي أنشأت في الوطن العربي (حزب البعث العربي الإشتراكي، حزب الله، التيار الناصري، الأحزاب القومية).

٣. الأحزاب الأيدولوجية: قائمة على أفكار وبرامج معينة (الأحزاب الشيوعية و الإشتراكية و الدينية).

و هذا لا يعني أن كل حزب منفصل بالفكرة عن الآخر في كل دولة أو فكر حزبي، فقد تكون الأحزاب الأيدولوجية أحزابا للشخص الواحد و قد تكون أحزاب الشخص تعتمد على الأيدولوجيا، فهناك أحزابا يوجد فيها تداخلات فكرية و تنظيمية.

و من أصناف الأحزاب التي وجدت في العالم، هي أحزاب الإطار و الأحزاب الجماهيرية.

١. أحزاب النخب: هي أحزاب قامت على نخب سياسية، و نشأت في أمريكا و أوروبا في القرن التاسع عشر (الأحزاب المحافظة في أوروبا) و كانت الإنتخابات فيها فقط لملاك الأراضي و غيرها من الطبقة الرأسمالية، و عدد المنتخبين فيها قليل و ليس لهم أي تأثير، و هيكلها التنظيمي يبدأ من القاع و ذلك من خلال تشكيل لجان برلمانية و انتخابية يتم التنسيق فيما بينها دون الرجوع لسلطة القيادة و تكون هذه اللجان مستقلة و تتصف هذه الأحزاب بأنها الأقل تماسكا و تلاصقا.

مازالت هذه الأحزاب الي حد ما موجودة في بعض مناطق أوروبا، بالتركيز على الطبقة السياسية دون التفكير بزيادة عدد المنتسبين، لأنها ليست بحاجة إلى احتواء الشعب ماليا و سياسيا بسبب اعتمادها على الطبقة السياسية و النخب الرفيعة.

٢. الأحزاب الجماهيرية:

تنظيمات بلورت ذاتها على أساس جماهيري لتوسيع الإنتخاب و الانتساب و اعتناق الفكرة كوحدة واحدة لتشكل قوة فكرية و تنظيمية متينة (كالأحزاب الإشتراكية). و تعتمد أحزاب الجماهير في هيكلها التنظيمي على الهرمية الذي ينطلق من القمة المركزية، إذ يبدأ القرار الحزبي من المركز إلى اللجان التي تنبثق منه، لذلك تتصف هذه الأحزاب بأنها أكثر تماسكا و متانة.

تعددت الأحزاب الجماهيرية في العالم و منها:

١. الحزب الشيوعي: هو الحزب الناتج عن انشقاقات و انفصالات متعددة عن الحزب العمل الاشتراكي الديموقراطي في روسيا، و بعد قرار المؤتمر الثالث العالمي لاتحاد أحزاب الطبقة العاملة (الكومنترون) في عام 1924 أخذت هذه الأحزاب خط الإتحاد السوفييتي، و توسعت رقعة الإنتساب و اقتصرت على أصحاب الفكر الماركسي و اللينيني.

اتصفت الأحزاب الشيوعية بالعمل الجماعي المتقن و التوسع في كل الإتجاهات عن طريق لجان مختلفة، فهذا ما أعطى طابع القوة للحزب وأصبح ذا سلطة متينة و كبيرة، و اتصف الحزب الشيوعي بالأيدولوجيا التي تعتبر الجوهر الرئيسي له، بالإضافة إلى مركزية القرار لدى سلطة الحزب مما أدى إلى إعطائه صفة التجاذب بين القاعدة و القمة.

٢. الأحزاب الفاشية و النازية: أخذت هذه الأحزاب في هيكلها التنظيمي الطابع العسكري و الميليشيوي و القيادة النخبوية و المركزية ذات السلطة المطلقة، و تستعمل هذه القيادة القوة للسيطرة.

و انهزمت معظم هذه الأحزاب و توقف توسع الفاشية كعقيدة و حزب بعد فوز دول الحلفاء (بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) في الحرب العالمية الثانية (1945)م.

هناك فروقات بين الأحزاب الشيوعية و الفاشية و منها:

الفاشية لا تقبل انقسام المجتمع إلى طبقات أو فئات صغيرة و عقيدتها (وحدة الأمة) و لكن هذه الوحدة بيد سلطة الزعيم المطلقة (موسليني، هتلر، فرانكو)، في حين أن الأحزاب الشيوعية تقسم المجتمع إلى طبقتين: الطبقة الرأسمالية و الطبقة العاملة.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك