الأخبار

ابراهيم عبد المجيد القيسي : رجلا دولة معدودان

ابراهيم عبد المجيد القيسي : رجلا دولة معدودان
أخبارنا :  

أشعر بالحزن؛ والتعاطف الكبير مع د رجائي المعشر، وإنني حقا لا أفكر أن أزوره لأقدم له العزاء بوفاة نجله صالح، رحمه الله، فلا يمكنني أن أتخيل ردة فعله مع هذا الحزن الكبير. أنا باختصار أتجنب رؤيته في حالة إنسانية كهذه..

لا أعرف ابنه المرحوم، ولم يسبق لي لقاءه، لكنني أعرف «أبو صالح»، الإنسان الخلوق الحكيم الوطني الكبير، التقيته مرات، وأتواصل معه باستمرار، وفي كل لقاء أو تواصل أدرك بأنني أمام جبل شامخ من الأخلاق والصدق والوطنية والوفاء للأردن، وعقلية فريدة في الإخلاص والتفاني .. رجائي المعشر؛ رجل دولة وفيّ، لا يمكن أن يسقط في شبهة الإساءة لوطن أو لمواطن أو لإنسان، ولا أعلم شيئا عن قوة الشكيمة لدى شخص هذه مواصفاته، ولا أتخيل ما الكلمات التي يمكنني أن أقولها معزيا في حضوره، لكنني على يقين بل أمل كبير، بأن يمنحه الله الصبر والسلوان بهذا الفقد الكبير، فنحن نمر بأيام لم نشهد مثلها، ولم نكن نتخيل أن تنطوي على مثل هذه الحالات من الموت مهما تعددت أسبابه.. حتى وإن كان رجل دولة ومدرسة وفاء وحكمة وإخلاص، فلا عزاء أبلغ من تذكير كل مكلوم بأنواع وألوان وفنون الفقد الكثيرة، التي تطالعنا من غزة كل دقيقة، بل تصفعنا في وجوهنا وفي أدق مراكز إحساسنا الإنساني.. هذا فقط ما يمكنني أن أذكره لأبي صالح، وأسأله تعالى أن يرحم ولده المرحوم، وأن يلهمه وسائر ذويه الصبر والسلوان والرأفة بقلوبهم.

أما عن المرحوم زيد الرفاعي، فلن أجامل أحدا على حساب الموضوعية، فالفقيد رجل الدولة الكبير، لأنه دولة زيد الرفاعي، الاسم الذي عرفناه منذ طفولتنا، ثم أدركنا درجة أهميته في نظامنا السياسي الأردني، وتجذره في الدولة، حقائق لا أحد ينكرها، ولا علاقة لها لا بفكر ولا بتأييد، ولا «بمحاكمة الأموات والأحياء»، فزيد الرفاعي، رجل دولة بل مدرسة وطنية من نوع خاص، وهو جزء من تاريخ هذه الدولة، وقد شهدنا أفول بعض نجوم رجالات الدولة، وبعضهم لم ندرك أهميتهم، ولا تاريخهم في بناء الدولة إلا حين غادروا الدنيا، وأقررنا جميعا بأنهم من رجالات الدولة، بل إننا نشاهد أحيانا من يخلدهم ويستشهد بتاريخهم، ويحاول أن يفرضه فرضا على الدنيا كلها، بينما هم لم يكونوا عرضة لأي انتقاد، فهم لم يتبوأوا مواقع كالتي تبوأها المرحوم زيد الرفاعي، ولم نعلم ما هي مواقفهم وإنجازاتهم أثناء توليهم لمسؤولياتهم، ولم يبرز بشأنهم لا جدل ولا حتى دجل سياسي، ومع ذلك نترحم عليهم، فهم أردنيون، قدموا ما يمكنهم خلال حياتهم..

لا علاقة شخصية تربطني بدولة المرحوم زيد الرفاعي، ولا يوجد عندي صورة تجمعني به، لأضعها على صفحة ما من صفحات البؤس الإلكترونية، وأدعي أهمية ما جمعتني بالفقيد المهم في تاريخ الدولة، سواء حين كان على رأس مسؤولية ما، أو متقاعدا، فالرجل مستودع حكمة وأرشيف وأعراف سياسية، لا يمكن إنكارها، وساد بشأنه «جدل ودجل» سياسيان، كبيران، لكنه بقي صامدا وفيا للجميع، وحين أذكر وفاءه كابرا عن كابر للقيادة الهاشمية، فأنا لا أذكر سرا، بل أركز الضوء على سمة مهمة في شخصيته، لم تتوفر في كثيرين غيره.. فهل يسهل الثبات على الوفاء والإخلاص في ظرف غارق بالظروف والاختبارات الكبيرة السيئة، وبالتهم وبشبهات الردة الوطنية والخيانات الفعلية التي سقط فيها آخرون؟!

رحم الله زيد الرفاعي وأسمى آيات العزاء لذويه، ورحم الله صالحا، وألهم والده د رجائي الصبر والسلوان على فقده.

وسواء أكانت حلوة أم مرّة، فالحياة تحت خيمتنا الأردنية الدافئة، مستمرّة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك