احمد حمد الحسبان : الدراسة الاكتوارية والحوار المطلوب
ما بين سطور القراءات والتحليلات لمخرجات الدراسة الاكتوارية رقم 11 التي أجرتها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ما يؤكد أن الوضع المالي للمؤسسة مطمئن. وفي تصريحات رئيس مجلس إدارة المؤسسة وزير العمل ما يعزز تلك القناعة ويقرأ المخرجات بصورة أكثر عمقا، ويلقي الضوء على التصورات الحكومية لمعالجة نقاط الضعف التي كشفتها الدراسة. فالأصل في مثل تلك الدراسات الدورية تشخيص الواقع والتنبيه للمستقبل من أجل تصويب أية ثغرة إجرائيا أو تشريعيا في الوقت المناسب.
النتيجة الأبرز للدراسة التي ينص القانون على إجرائها دوريا كل ثلاث سنوات توقعات بتعادل الإيرادات التأمينية مع النفقات والرواتب في العام 2030. أما نقطة التعادل الثانية والتي لا تقل أهمية عن سابقتها فموعدها المنتظر في العام 2038 وفيها تتعادل الإيرادات التأمينية والعوائد الاستثمارية السنوية مع النفقات التأمينية المطلوبة في حال عدم تحسن العائد على الاستثمار.
وهذا يعني من وجهة نظر متفائلة وجود هامش زمني قد يكون كافيا لاتخاذ اجراءات لا بد منها لتعديل الفترتين إيجابيا.
النقطة التي لم تأخذ حقها كاملا في سياق النقاشات الدائرة حاليا، أن محطة التعادل الأولى» تعادل الايرادات التأمينية مع الرواتب والنفقات» كانت متوقعة في العام 2035 وفقا للدراسة السابقة التي أجريت قبل ثلاث سنوات تقريبا. ما يعني وجود خلل أو أكثر، أدى إلى ذلك التراجع. وهو خلل قد يكون مرتبطا بالإجراءات الإدارية والاستثمارية، أو بالمعلومات التي بنيت عليها الدراسة السابقة.
والمطلوب هنا أن يتم التركيز على مجمل الإجراءات التي اتخذت في الفترة ما بين الدراستين، وتشريحها وبيان مدى تأثيرها على واقع الضمان الاجتماعي ومستقبله. وبحيث يتم تصويب أي خلل دون المساس بحقوق المؤمنين، أو زيادة الأعباء عليهم.
فأول ما يطفو على سطح القراءات، أن مثل تلك الحالة قد تتطلب زيادة الإيرادات وضبط النفقات، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن أسهل الطرق لتحقيق ذلك تحميل المشتركين أعباء جديدة، أو تخفيض امتيازاتهم التي يحصلون عليها عند التقاعد وفقا للقانون النافذ.
وما يدعو إلى الاطمئنان تأكيد وزير العمل رئيس مجلس إدارة المؤسسة أن هذين العنصرين يعتبران خطا أحمر وأنه لا مساس بهما. ما نفهمه بأنه تركيز على مجالات الاستثمار المجزي، وتفكير خارج الصندوق من أجل الوصول الى صيغة تضمن الاستمرارية لصناديق الضمان الاجتماعي بكفاءة وقوة. هنا لا بد من إعادة النظر في بنية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ومؤسساتها الفرعية ومنها صندوق الاستثمار ومجلس إدارته والهيئات الفرعية. بما يلغي التعددية في مراكز القرار، ويوحد تلك المجالس والهيئات ضمن بوتقة تنظيمية واحدة. ولعل في التوجه الذي كشف عنه السيد الوزير باستنساخ تجربة البنك المركزي الأردني لإدارة الضمان الاجتماعي ما يمكن أن يكون رؤية أقرب مثالية في حل أي إشكاليات تنعكس على الواقعين الاداري والاستثماري للمؤسسة.
فالرؤية التي طرحها الوزير تتمثل بتغيير الهيكل التنظيمي بحيث يتولى رئاسة الضمان محافظ بمستوى محافظ البنك المركزي يرتبط به مساعدون للاستثمار وغيره، وتناط مهام التخطيط والإشراف العام بمجلس ادارة واحد.
أما البعد الآخر، فيتمثل بإعداد مشروع قانون للمؤسسة يضمن تلك التعديلات، ويعالج أي هنات يمكن أن تكون قد أوصلت الضمان إلى هذه النقطة التي وإن كانت لا تشكل خطرا ، لكنها ليست النقطة المثالية التي نتمناها لمؤسستنا التي تشكل حاضر ومستقبل الأردنيين جميعا.
وفي المشروع الجديد، أو التعديلات التي يفترض أن ينتجها حوار عام تشارك به كافة الفعاليات المعنية، لا بد من ضبط عملية الاستثمار وإخضاعه الى شروط مشددة، بما في ذلك ما يشاع عن تدخلات حكومية قد تكون أسهمت في تخفيض العوائد، أو زيادة الأعباء.
ولا بد أيضا من معالجة موضوع التقاعد المبكر، بما في ذلك منع بعض الدوائر الحكومية من إرسال قوائم بأسماء موظفين ترغب بإحالتهم إلى التقاعد المبكر. والعودة إلى روح القانون الأصلي الذي يعتبر التقاعد المبكر استثناء وليس امتيازا للمتقاعد أو مخرجا يمكن صاحب العمل من حل بعض إشكالاته. ــ الغد