د. محمد كامل القرعان : سلامٌ مؤجَّل أم وهمٌ دائم؟ قراءة في صراع الشرعية والهيمنة
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً في عالمٍ تتكاثر فيه الصراعات: ماذا يحدث في النهاية؟ سؤال مفتوح بلا إجابة حاسمة، إذ لا أحد يمتلك يقين الخاتمة، ولا أحد يستطيع الجزم بأن النهاية ستكون سلاماً، لأن الحديث عن سلامٍ شامل يبدو – في كثير من السياقات – أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع.
فالحقيقة التي يتجاهلها كثيرون أن السلام، في عدد كبير من مناطق الصراع، لم يكن قائماً أصلاً حتى يُستعاد. لم يكن يوماً حالة مستقرة، وربما لن يكون في المدى المنظور، لأن الأطراف المتنازعة لا تتحرك بدافع إنهاء الصراع، بل بدافع تكريس شرعية ما، أو نزعها عن الآخر.
تُرفع شعارات الدفاع عن الحدود والخطوط الفاصلة، ويُقال إن المعارك تُخاض لحماية الأرض والسيادة، غير أن هذه الخطوط والحدود غالباً ما تكون نتاج غرف التفاوض لا ساحات القتال. فهي عملة سياسية متداولة، تتغير بتغير موازين القوى، ولا تشكل في جوهرها السبب الحقيقي للصراع.
هذه الحالة تنعكس بوضوح على الحرب التي تشنّها إسرائيل على فلسطين ولبنان وسوريا، حيث لا يبدو الصراع مرتبطاً بحدود أو خطوط تماس بقدر ما يرتبط بعقيدة توسعية قائمة على فرض الأمر الواقع بالقوة. فالتذرّع بالأمن والدفاع عن النفس يخفي في كثير من الأحيان مشروعاً أوسع، يسعى إلى الهيمنة، وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يخدم مصالح طرف واحد على حساب حقوق الشعوب الأخرى.
أما الهدف الفعلي، وغالباً غير المعلن، فهو السيطرة: سيطرة طرف على آخر، وهيمنة إرادة على إرادة مضادة. وفي معادلة كهذه، يصبح على طرف أن يخضع، والخضوع – وإن لم يكن مقبولاً أخلاقياً أو إنسانياً – يفرض نفسه كأحد مخرجات الصراع في عالم تحكمه القوة أكثر مما تحكمه القيم.
وفي هذا السياق، تفقد الكلمات معانيها التقليدية، ويصبح السلام مجرد مصطلح للاستهلاك السياسي، لا مرادفاً حقيقياً للاستقرار. فالسلام لا يُبنى على إخضاع طرف لطرف، ولا على إنكار الحقوق، بل على خلق مصالح مشتركة تجعل الصراع مكلفاً للجميع.
من هنا، يبرز الازدهار الاقتصادي بوصفه المدخل الأكثر واقعية للخروج من دوامة الصراع. فحين تتقدّم التنمية، وتتسع فرص العمل، وتتشابك المصالح الاقتصادية، تتراجع دوافع القتال، ويصبح الاستقرار خياراً عقلانياً لا شعاراً خطابياً. الاقتصاد، بعكس السلاح، قادر على إنتاج مكاسب مستدامة، وعلى تحويل الخصوم إلى شركاء، أو على الأقل إلى أطراف أقل ميلاً للصدام.
في النهاية، قد لا تكون الإجابة سلاماً كاملاً كما يُروَّج له، لكنها بالتأكيد ليست حرباً دائمة. وبين الوهم والحقيقة، يبقى الرهان الأذكى على بناء ازدهار يفرض السلام كحاجة، لا كتنازل. ــ الراي