فايز الفايز : مكافحة الفساد
احتضنت العاصمة القطرية الدوحة إطلاق أعمال مؤتمر الدول الأطراف عبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيث كان أكبر تجمع دولي في العالم مخصص لمكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية وهو يعتبر الهيئة الرئيسية لصنع القرار في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أي أنه الصك العالمي الوحيد الملزم قانونا لمكافحة الفساد، إذ تحظى الاتفاقية بتأييد شبه عالمي، حيث بلغ عدد الدول الأطراف فيها 192 دولة، و يُوجه المؤتمر الجهود العالمية لمكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية ويُقدم التوجيهات لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الذي يعمل كأمانة له.
لذا جاء المؤتمر على أهمية قصوى حيث يكفل مؤتمر الدول الأطراف كي تكون اتفاقية مكافحة الفساد صكا فاعلا يحدث تحولا ملموسا وليس مجرد مجموعة مبادئ ويضطلع إذ يقوم المؤتمر بدور مركزي في تعزيز ومتابعة تنفيذ الاتفاقية وتعميق التعاون الدولي واتخاذ القرارات السياسية التي تحدد مسار الجهود العالمية لمكافحة الفساد وتدل القرارات الصادرة عن المؤتمر على إقرار المجتمع الدولي بضرورة هذه القضية وهذا ما يساهم في إبراز المخاوف المستجدة كنظام تمويل الأحزاب السياسية وحماية المبلغين أو الفساد في قطاع الأعمال الخاص.
فقد أدت القرارات المُعتمدة في مؤتمر الدول الأطراف إلى تغييرات حقيقية وقابلة للقياس ومن أبرز الأمثلة على ذلك آلية مراجعة التنفيذ التي أنشأها المؤتمر بموجب قراره 3/1 وتُعد آلية مراجعة التنفيذ عملية مراجعة من قبل النظراء لتساعد الدول الأطراف على تقييم مدى جودة تنفيذها للاتفاقية، كما تسلط الآلية الضوء على ما يحقق نتائج إيجابية من جانب وتحدد الثغرات ويدعم الحكومات في تعزيز قوانينها وسياساتها ومؤسساتها لتحسين الوقاية من الفساد ومكافحته، فبعد مرور خمسة عشر عاما على بدء المراجعات الأولى، كان الأثر ملموسا، فقد ساعدت آلية المراجعة الدولية 146 دولة على تحديث أو استحداث قوانين وسياسات جديدة لمكافحة الفساد، فبدون قوانين وسياسات فعالة يبقى الفساد دون رادع.
ويُعدّ مؤتمر الدول الأطراف ملتقى عالميا لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، إذ تجتمع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والشباب كل عامين لإجراء حوار مفتوح وتبادل المعرفة والتعاون، بما يضمن أن تكون الاستجابة لمكافحة الفساد متنوعة ومتعددة الأوجه، تماما كالتحديات التي تواجه العالم اليوم، فتحت شعار (بناء نزاهة الغد) ركز مؤتمر الدول الأطراف الحادي عشر على معالجة التهديدات الجديدة والناشئة في مكافحة الفساد وتعزيز التعاون الدولي لمواكبة واقع الأنشطة الإجرامية المعقدة في عصرنا الحالي وتشير الأدلة إلى أن الحد من الفساد عالميا من شأنه أن يزيد الإيرادات الضريبية بمقدار تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 1.25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويعزز النمو الاقتصادي.
وعلى ذلك يجب استرداد الأموال المفقودة نتيجة التدفقات المالية غير المشروعة والأنشطة الإجرامية المنظمة والفساد وإعادة توجيهها نحو الخدمات العامة الأساسية والأفراد الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، تكمن أهمية مؤتمر الدول الأطراف في تعزيزها للتعاون العالمي اللازم لتحقيق هذه الغاية ويُعد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أكبر تجمع دولي في العالم مُخصّص لمكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية وهو الهيئة الرئيسية لصنع السياسات في الاتفاقية وتُعقد هذه النسخة تحت شعار (صياغة نزاهة الغد) وستتناول دور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الجديدة في مكافحة الفساد بما يتناسب مع واقع الأنشطة الإجرامية المعقدة في عصرنا الحالي وسيتم التركيز أيضا على الروابط بين الفساد والجريمة المالية والمنظمة، والتدابير الرامية إلى مساعدة الدول على تحسين شفافية أنظمتها المالية العامة وجهود مكافحة الفساد في القطاع الخاص لرسم ملامح مستقبل نزاهة الأعمال العالمية.
هنا يأتي دورنا كموظفين في تحقيق منظومة النزاهة الوطنية إذ يكمن في تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة والالتزام بأخلاقيات المهنة والإبلاغ عن المخالفات والمساهمة في تعزيز ثقافة النزاهة داخل المؤسسة وخارجها، لضمان تقديم خدمات عامة عادلة وفعالة والحفاظ على المال العام وبناء ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة وذلك بالتعاون مع هيئة النزاهة ومكافحة الفساد التي تسعى لترسيخ هذه المبادئ عبر التوعية، والتشريع، والرقابة، والتنفيذ.
لهذا فإن الالتزام بالنزاهة الشخصية والصدق وممارسة العمل بأمانة وإخلاص والابتعاد عن تضارب المصالح الشفافية وتوفير المعلومات والبيانات بشفافية ما لم تكن سرية، وتجنب إخفاء الحقائق والنزاهة السلوكية وتطبيق أخلاقيات المهنة والالتزام بالقوانين ، كما يتم تقديم الخدمات للمواطنين بجودة عالية وعدالة ومساواة، دون تمييز أو محاباة وتسهيل الإجراءات على المواطنين والشركات للحد من فرص طلب الرشاوى، حيث أن هذا التوجه الذي يندرج ضمن إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2026-2030، الذي يهدف إلى منع الفساد قبل وقوعه عبر آليات التوعية.