الأخبار

عميد متقاعد عارف الزبن : ما لا يعرفه ترامب عن قرار نشر الجيش الأمريكي في واشنطن

عميد متقاعد عارف الزبن : ما لا يعرفه ترامب عن قرار نشر الجيش الأمريكي في واشنطن
أخبارنا :  

حتى لحظة كتابة هذا المقال لا يزال الأمريكيون يتخبطون في تفسير الدوافع التي دفعت ذلك الشاب الأفغاني إلى ارتكاب جريمته. غير أنّ تحليل الدافع لا يمكن حصره في بُعد واحد؛ فهو مزيج مركب من العوامل النفسية والعوامل الاجتماعية والثقافية والعوامل السياسية، حيث تتفاعل جميعها في بيئة الفرد وظروفه. ففي العادة، ترتبط دوافع الانتقام (الثأر) لدى المجتمعات القبلية بهذه العوامل الثلاثة مجتمعة، وخاصة الدوافع النفسية المرتبطة بالشعور بالظلم والمهانة والغضب.

ومن وجهة نظري، فإن قرار نشر قوات الجيش الأمريكي (الحرس الوطني) في العاصمة واشنطن بزيّهم العسكري الكامل كان الشرارة التي أعادت إلى ذلك الشاب حالةً نفسية عاشها سابقاً في أفغانستان. إن رؤية تلك الملابس العسكرية في قلب واشنطن حرّكت في داخله ذاكرة الصراع، فاختلط الماضي بالحاضر، وتفاعلت جراح التجربة الشخصية مع رسائل المشهد السياسي.

لكن هناك عاملًا آخر بالغ الأهمية، كثير من المحللين في الولايات المتحدة لا ينتبهون إليه او يتخبطون فيه، وهو عامل الثأر أو ما يُعرف في قانون حياة البشتون Pashtunwali وهو قانون باسم البَدَل (Badal). البشتونوالي: قانون الشرف وحياة البشتون. في كتاب "عودة ظهور طالبان” The Taliban Revival للباحث حسن عبّاس Hassan Abbas، الصادر عام 2014، (أي قبل عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان في عام 2021) ، خصص الكاتب في الفصل الأول (ص. 18) جزءاً مهماً " البشتونوالي (طريق حياة البشتون) وتأثيرها The Pashtunwali (Way of the Pashtuns) and its impact، لشرح مفهوم البشتونوالي Pashtunwali، وهو قانون الشرف الحاكم لقبائل البشتون، أو ما يمكن وصفه بطريقة حياة البشتون”. ومن أهم قواعد هذا القانون: البَدَل (Badal) وهو مبدأ الثأر: الذي هو التزام فردي واجتماعي يأخذ طابع القدسية لدى البشتون. حيث يؤكد حسن عبّاس أنّ البَدَل لا يخضع لأي سقف زمني؛ فقد يُؤخذ الثأر بعد سنوات طويلة أو حتى عقود كاملة. وتُسجّل الأدبيات الأنثروبولوجيا (علم دراسة الانسان) عن البشتون حالات عديدة يُمارس فيها الثأر بعد مرور عشرات السنين، دون أن يفقد هذا الفعل شرعيته الاجتماعية.

يترد بين البشتون مقولة شهيرة تتكرر على ألسنة الكبار: "انتظر بشتوني مائة عام قبل أن يأخذ بثأره، وكان ذلك عملاً سريعًا.”

A Pashtun waited a hundred years before taking his revenge, and it was quick work.
أما من يتخلّف عن واجب الثأر من وجه نظر هذا القانون، فيتعرّض غالباً للسخرية من أبناء عشيرته، وقد يُنبذ اجتماعياً – وهي عقوبة أقسى من الانتقام ذاته.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للحادثة الأخيرة؟ ما حدث بالأمس – من وجهة نظري – هو تفاعل مباشر بين:

تجربة شخصية مؤلمة عاشها الشاب مع الجيش الأمريكي في أفغانستان

قانون البشتونوالي الذي يجعل الثأر واجباً شخصياً لا يسقط بالتقادم

الصدمة النفسية الناتجة عن رؤية الزي العسكري الأمريكي داخل واشنطن

هذه العوامل مجتمعة قد دفعت منفّذ العملية إلى ما يُشبه "استعادة ذاكرة الحرب” لحظة رؤيته للجيش في العاصمة، فتجسّد الماضي في عينيه كأنه حاضر، واكتمل بذلك الدافع النفسي–الثقافي للثأر.

وفي الختام
إن قرار نشر قوات الجيش الأمريكي في واشنطن قد يبدو قراراً أمنياً داخلياً من منظور واشنطن، لكنه من منظور المهاجر أو اللاجئ القادم من بيئة حرب قد يحرك عقداً كاملاً من الصور والذكريات والصدمات النفسية.

وما لا يعرفه ترامب، ولا كثير من صقور السياسة الأمريكية، أن البَدَل في ثقافة البشتون لا يُمحى بالزمن، ولا يُطفئه الانتقال الجغرافي، ولا تغيّره القوانين المدنية الحديثة. بل يبقى كامناً… حتى يجد لحظة يستيقظ فيها.

مواضيع قد تهمك