الأخبار

د. حمد الكساسبة : هل يستطيع الأردن الاقتراب من موقع متقدم في الاستثمار الإقليمي؟

د. حمد الكساسبة : هل يستطيع الأردن الاقتراب من موقع متقدم في الاستثمار الإقليمي؟
أخبارنا :  

يمثل الاستثمار الأجنبي رافعة مهمة للنمو في الأردن، فهو يخلق وظائف جديدة، ويدعم الإنتاج، ويخفّف من الاعتماد على القروض والمساعدات، ويساعد في تحسين ميزان المدفوعات. ومع ذلك، لا تكفي هذه الفوائد ما لم يتمكن المستثمر من تحويل فكرته إلى مشروع فعلي دون تعقيدات أو انتظار طويل. وهنا يبرز سؤال المقال: هل يستطيع الأردن أن يصبح وجهة أكثر جاذبية للاستثمار في المنطقة؟

شهدت المملكة تحسنًا ملحوظًا في التشريعات وتوحيد جهة التعامل مع المستثمر، وهو تقدّم ساعد في تقليل التشتت الإجرائي، لكنه ما يزال بحاجة إلى استقرار ضريبي وتشريعي طويل المدى حتى يتمكن المستثمر من التخطيط بثقة دون تغييرات مفاجئة في الرسوم أو السياسات بعد بدء الاستثمار.

كما يشكل التحول الرقمي فرصة لتسريع تأسيس المشاريع وتقليل الزمن الضائع في المعاملات. فإذا أصبحت عملية الترخيص والتسجيل إلكترونية بالكامل وتقلّصت الحاجة للمراجعات الورقية، سيدخل رأس المال إلى الاقتصاد بسرعة أكبر، وستبدأ الدورة الإنتاجية بحجم أسرع، ما ينعكس مباشرة على التشغيل والنمو.

وتبقى كلف الطاقة والمياه من أبرز التحديات التي تواجه التوسع الصناعي. فالأردن يمتلك إمكانات كبيرة في الطاقة الشمسية وربما الهيدروجين الأخضر مستقبلًا، لكن المطلوب هو تحويل هذه القدرات إلى تكلفة تشغيل أقل وأكثر استقرارًا. أما توفير مياه صناعية بكلفة مناسبة فهو مفتاح رئيسي لزيادة الإنتاج والتصدير خصوصًا للصناعات كثيفة الاستهلاك.

وفي البنية التحتية، يظهر ميناء العقبة كعنصر أساسي في دعم حركة الصادرات. فالتوسعة الجارية ورفع كفاءة التعامل مع الحاويات قد تقلل زمن المناولة وتُسهّل انسياب السلع نحو الأسواق الإقليمية والعالمية. كما يشكل مشروع السكك الحديدية المخطط له خطوة داعمة لربط مواقع الإنتاج بالميناء والمعابر التجارية، ما يقلل كلفة النقل ويزيد تنافسية المنتج الأردني في الخارج.

أما على مستوى التمويل، فإن تنويع الأدوات المالية مثل السندات الخضراء والصكوك يوفر خيارات مرنة لمشروعات الطاقة والنقل والبنية التحتية. ومع تطور القضاء التجاري وتسريع البت في النزاعات الاقتصادية، إلى جانب الاستقرار السياسي والنقدي وقوة الجهاز المصرفي، تتعزز ثقة المستثمر في استدامة بيئة الأعمال وقدرته على التوسع طويل الأجل بثبات وتوقع واضح.

ويمتلك الأردن شريحة بشرية شابة يمكن البناء عليها بسرعة، لكن تحويل الطاقة البشرية إلى قيمة إنتاجية يتطلب تعليمًا مرتبطًا بحاجة السوق وتوسيع التدريب العملي داخل المصانع والشركات. وهنا يوفر الاقتصاد الرقمي فرصة نمو أسرع وأقل كلفة، ويمكن أن يمنح الأردن موقعًا تنافسيًا متقدمًا إذا توسعت الحاضنات الريادية وسُهّلت أدوات التمويل للشركات التقنية الناشئة.

كما يعتمد نجاح الاستثمار على تنسيق فعلي بين الحكومة والقطاع الخاص، إذ توفر الحكومة الإطار التشريعي والبنية التحتية والاستقرار، بينما يتولى القطاع الخاص قيادة التشغيل والابتكار واستثمار الفرص. وكلما توازنت الأدوار بين الطرفين أصبحت بيئة الاستثمار أكثر سرعة وكفاءة، وتحوّلت الخطط إلى مصانع وتشغيل وتصدير فعلي.

ويمكن تعزيز الجاذبية الاستثمارية أكثر عبر التركيز على قطاعات تملك المملكة فيها ميزة نسبية مثل الدواء والطاقة الخضراء والتكنولوجيا والصناعات الغذائية والخدمات المالية، وتجهيز مشاريع قابلة للتشغيل المباشر بدل الانتظار. كما يسهم الحضور الأردني في مراكز المال الإقليمي — في دبي والدوحة والرياض وشنغهاي وسنغافورة — في جذب رأس المال مباشرة، خاصة بعد الجولة الآسيوية الأخيرة لجلالة الملك التي فتحت أبواب شراكات صناعية وتقنية قابلة للتحول إلى مشاريع على الأرض.

وفي النهاية يمكن القول بوضوح وهدوء: نعم، يستطيع الأردن تحسين موقعه الاستثماري في الإقليم إذا تسارعت الخطوات التنفيذية واستمر العمل على تخفيف الكلف وتحسين البنية التحتية وتقوية الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. فحين تظهر مصانع جديدة وتكبر فرص العمل وترتفع الصادرات، لن يكون الحديث عن الاستثمار توقعًا نظريًا، بل واقع اقتصادي قابل للقياس والبناء عليه.

مواضيع قد تهمك