الأخبار

ماجد الفاعوري : حد الدقيق معركة الطفيلة المنسية وإحياء السردية الوطنية الأردنية

ماجد الفاعوري : حد الدقيق معركة الطفيلة المنسية وإحياء السردية الوطنية الأردنية
أخبارنا :  

معركة حد الدقيق كما ذكرها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ليست مجرد محطة تاريخية عابرة بل هي مفتاح لفهم جانب عميق من الشخصية الوطنية الأردنية تلك الشخصية التي تشكلت عبر مقاومة الظلم والدفاع عن الكرامة منذ قرون فقد وقف أهل الطفيلة عام 1918 في وجه الحاكم العثماني بكل شجاعة عندما حاول فرض الإتاوات والتجنيد القسري واستباحة حقوق الناس فكانت الطفيلة بكل عشائرها ورجالها ونسائها تقول لا لسلطة تريد إذلالهم ولا تعترف بخصوصيتهم وكرامتهم فاشتعلت المواجهة في حد الدقيق وأثبت الأردنيون مرة أخرى أن هذه الأرض لا تخضع للطغيان وأن أبناءها إذا حوصروا ضاقوا ذرعا بالظلم وانتفضوا ضده بالصدور قبل السلاح

الكثير من الأردنيين اليوم لا يعرفون هذه القصة لأن تاريخنا الوطني تعرض للتهميش والإقصاء في سرديات رسمية وغير رسمية ركزت إما على قصص الآخرين أو على أحداث لا تعبر عن جوهر الهوية الأردنية لذلك جاء ذكر معركة حد الدقيق على لسان سمو ولي العهد ليشكل لحظة استعادة للذاكرة الجمعية ولإعادة الاعتبار لتضحيات آبائنا وأجدادنا الذين كانوا شركاء حقيقيين في الثورة العربية الكبرى وفي مواجهة الحكم العثماني الذي حاول طمس إرادتهم والسيطرة على مقدراتهم

عندما يتحدث سمو ولي العهد عن السردية الوطنية الأردنية فهو لا يقصد مجرد رواية تاريخية تذكر التواريخ والأسماء بل يقصد بناء وعي حقيقي يقوم على قصص البطولة والإنجاز والعمل المشترك بين القيادة والشعب فهو يرى أن الأمم لا تُحترم إلا إذا امتلكت قصتها ووعت تاريخها واستطاعت أن تقدمه للأجيال بأسلوب يحفزهم ويمنحهم الثقة ويجعلهم يشعرون أنهم جزء من مشروع وطني مستمر وليس مجرد سكان يعيشون فوق حدود جغرافية مرسومة

الهاشميون منذ تأسيس الإمارة لم يغفلوا أهمية الوعي الوطني فقد عملوا على ترسيخ الشعور بالانتماء وإحياء الدور الأردني في المنطقة وفي التحرر من الحكم العثماني وفي دعم القضايا العربية وعلى رأسها فلسطين كما عملوا على تعزيز العلاقة بين الشعب والدولة من خلال مشاريع التعليم والتنمية والتجنيد الوطني فالسردية الوطنية بالنسبة لهم ليست شعارا بل مشروع بناء دولة وشعب وهو ما أكده سمو ولي العهد عندما دعا إلى كتابة السردية الأردنية من خلال مؤسسات التعليم والإعلام والبحث العلمي والمحتوى الثقافي

ما قصده سمو ولي العهد بالتأكيد على كتابة السردية الأردنية هو أن نروي نحن قصتنا بعيوننا وأن لا نسمح للآخرين بتعريف هويتنا أو تفسير تاريخنا أو تقديمنا للعالم بصورة مشوهة أو ناقصة فهو يريد أن يعرف الشباب أن أجدادهم لم يكونوا متفرجين على الأحداث بل كانوا صانعين لها وأن الأردن لم يولد صدفة بل أسس عبر تضحيات ومواقف شجاعة مثل معركة حد الدقيق التي أثبتت أن الأردنيين لا يقبلون الخضوع ولا يسمحون لأي سلطة أن تنتهك كرامتهم

إن إحياء هذه المعركة وغيرها من المحطات الوطنية يشكل خطوة مهمة في إعادة بناء الثقة بين الأردني وتاريخه وبين الأردني ودولته فحين يعلم الفرد أن جذوره ضاربة في البطولة والشرف يصبح أكثر تمسكا بوطنه وأكثر استعدادا للدفاع عنه والعمل من أجله ولهذا فإن دعوة سمو ولي العهد ليست فقط دعوة معرفية بل هي دعوة لبناء المستقبل على أساس من القوة والوعي والهوية الأصيلة

معركة حد الدقيق هي مرآة تعكس روح الأردني الذي يقف مهما اشتدت الظروف ويواجه مهما عظم الخصم وهي رسالة واضحة بأن تاريخنا مليء بالقصص التي تستحق أن تُروى وأن تكون جزءا من المناهج والمدارس والإعلام والحياة اليومية لأنها ليست مجرد حكايات بل مصادر إلهام وبناء واعتزاز

من هنا فإن توسع الحديث عن هذه المعركة هو خطوة على طريق استعادة سرديتنا الوطنية وجعلها حية في ذاكرة الأجيال القادمة حتى يبقى الأردن قويا بوعيه قبل قوته وبقصته قبل حدوده ومن يملك قصته يملك نفسه ومن يملك نفسه يستطيع أن يصنع مستقبله دون خوف أو تبعية

مواضيع قد تهمك