د. يزن دخل الله حدادين : الوطن الرائد
يتحرّك الأردن اليوم ضمن مرحلة سياسية متقدمة يقود دفتها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أثبت أن القيادة الواعية هي أساس استقرار الدولة ومصدر قوتها. فمنذ تسلمه أمانة المسؤولية، حمل جلالته مشروع الدولة الحديثة بثبات وشجاعة، مستندًا إلى قناعة راسخة بأن الأردن يمتلك هوية وطنية واحدة لا تقبل المساومة، وهيية تتجذر في وجدان الأردنيين وتُعدّ أساس استقرارهم وقوة دولتهم. هذه الهوية لم تكن يومًا مجرد شعار، بل شكلت عند جلالة الملك منهجًا في القيادة، ومسارًا في بناء الأردن القادر على تجاوز التحديات وصناعة الفرص.
وفي إطار هذا النهج الملكي، يأتي مشروع التحديث السياسي بوصفه ترجمة مباشرة للرؤية التي يضعها جلالة الملك لمستقبل الدولة. فتعزيز الحياة الحزبية وتوسيع قاعدة المشاركة وبناء مؤسسات أكثر قدرة وفاعلية، ليست خطوات تقنية فحسب، بل هي جزء من إرادة ملكية تهدف إلى ترسيخ الهوية الوطنية الواحدة كهوية مدنية جامعة فوق كل الانتماءات الضيقة. وفي ظل قيادة جلالته، يصبح الانخراط في العملية السياسية تعبيرًا عن الولاء للدولة وتأكيدًا على الثقة بمسارها، كما يصبح التحديث مراجعة دائمة لمسيرة الدولة بهدف تعظيم قوتها وصون مكانتها.
ولم يكن لمسار الهوية الوطنية أن يترسخ لولا القيادة الراسخة لجلالة الملك، الذي أثبت خلال السنوات الماضية قدرته على إدارة تفاصيل الشأن الداخلي بحكمة وتوازن، وفي الوقت ذاته التعامل مع ملفات السياسة الخارجية بمهارة جعلت الأردن نقطة ارتكاز أساسية في المنطقة وصوتًا موثوقًا على الساحة الدولية. وفي بيئة إقليمية مضطربة، تمكّن الأردن من الحفاظ على استقراره، ومن بناء شبكة علاقات دولية أدّت إلى تعزيز موقعه ودوره وتأثيره.
إن الهوية الوطنية الواحدة لا تُصنع من خطاب رسمي فقط، بل تتولد من تجربة تاريخية مشتركة صنعت وجدان الأردنيين عبر عقود من التحديات. فقد أثبتت الدولة أن تماسكها ليس نتيجة صدفة، بل ثمرة وعي جمعي تشكّل في لحظات الخطر، حين اختبر الأردنيون معنى البقاء معًا، وبناء الدولة معًا، والوقوف خلف القيادة في كل منعطف. لذلك، فإن الهوية الأردنية ليست إطارًا تنظيميًا فقط، بل إحساسًا عميقًا بالقدر المشترك الذي يجمع هذا الشعب في مواجهة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.
وفي هذا السياق، تبدو الهوية الوطنية اليوم أمام فرصة تاريخية للتحول إلى مشروع تنموي شامل، يربط بين مفهوم الانتماء وبين إنتاج المعرفة والعمل والإبداع. فالهوية ليست مجرد ارتباط بالماضي، بل طاقة مستقبلية إذا أحسنّا توجيهها، يمكن أن تفتح أمام الشباب مساحات جديدة للمشاركة، وتمنح الاقتصاد روحًا تنافسية، وتعيد تعريف دور المواطن بوصفه شريكًا فاعلًا لا مجرد متلقٍ للسياسات. بهذا المعنى تصبح الهوية الوطنية أساسًا لنهضة شاملة، وليست مجرد مظلة سياسية أو اجتماعية.
وفي اللحظة التي يتقدم فيها الأردن بثقة نحو مستقبل جديد، يبرز سؤال جوهري: كيف نحول الهوية الوطنية الواحدة من إطار نظري إلى قوة إنتاجية تقود النهضة السياسية والاقتصادية؟ الجواب يكمن في استثمار هذا الشعور الجمعي بالانتماء في بناء عقد اجتماعي أكثر توازنًا، يُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس المشاركة والمسؤولية المشتركة، ويحوّل الوفاق الوطني إلى محرك تنموي يفتح أبواب الفرص أمام الشباب ويعيد الثقة بالمؤسسات ويؤسس لثقافة سياسية جديدة تستند إلى العقل والانفتاح.
اليوم، تتأكد الهوية الوطنية الواحدة باعتبارها عنوان المرحلة المقبلة، وحجر الأساس في بناء الأردن الحديث. ليست مجرد شعار يُرفع ولا جملة سياسية تُردَّد، بل هي عقدٌ غير مكتوب بين الدولة والمجتمع، يتجدّد مع كل تحدٍّ ويثبت حضوره في كل اختبار. هذه الهوية هي القوة التي تحمي الأردن حين تعصف بالمنطقة رياح الاضطراب، وهي البوصلة التي توجه مسار التحديث، وهي الضمانة بأن مشروع الدولة يسير بثبات نحو المستقبل.
إن ترجمة الهوية الوطنية إلى قوة سياسية واقتصادية فاعلة ليست ترفًا ولا خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وجودية في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة. والأردن، بما يمتلكه من قيادة ملكية حكيمة، وخبرة تراكمية، وإرث من الصمود، قادر على أن يجعل من وحدته الوطنية رافعة لنهضته المقبلة. فحين تتوحد الإرادة السياسية مع الإرادة الشعبية، يصبح المستقبل أكثر وضوحًا، ويغدو الطريق نحو الازدهار ممهدًا بثقة وحكمة وبصيرة.
وهكذا يواصل الأردن، بثبات لا يخطئه أحد، العبور نحو مرحلة جديدة من البناء، مرحلة يكون فيها المواطن شريكًا، والإنجاز قاعدة، والهوية الوطنية الواحدة عنوانًا دائمًا لدولة تعرف أين تقف، وإلى أين تريد أن تصل، وكيف تصنع مكانها المستحق على خريطة العالم.