الأخبار

م. زيد خالد المعايطة : معادلة جديدة للتحفيز… دعم الموظف خارج حدود الرواتب

م. زيد خالد المعايطة : معادلة جديدة للتحفيز… دعم الموظف خارج حدود الرواتب
أخبارنا :  

تقوم العديد من الحكومات حول العالم بإعادة النظر في الطريقة التي تحفّز بها موظفيها في القطاع العام، متجاوزةً بذلك فكرة أن الراتب والمكافأة المالية هما الأداة الوحيدة للتحفيز بغية خلق مفهوم أوسع للرفاه والتقدير وجودة الحياة، ومع اشتداد الضغوط على الموازنات العامة وتزايد التوقعات من موظفي المؤسسات الحكومية، بدأت دول مختلفة تعتمد وسائل مبتكرة لدعم معنويات موظفيها دون أعباء مالية كبيرة، مستندة إلى الاعتراف وتقدير جهد الموظفين ومنحهم شيئا من المرونة في العمل، والتركيز على صورة أوسع لمفاهيم الحياة الكريمة والرفاه الاجتماعي كمسارات فعّالة لتحسين الأداء، وتعكس هذه التحولات فهماً أعمق لطبيعة التحفيز الإنساني، حيث يصبح إحساس الموظف بقيمته جزءاً لا يقل أهمية عن دخله المادي، وبالنسبة للأردن الذي يشكّل فيه القطاع العام ركناً أساسياً من أركان الخدمة الوطنية، تمنحنا هذه التجارب فرصة ملهمة لتطوير بيئة عمل أكثر تحفيزاً ضمن الإمكانات المتاحة.

وفي الأردن، يكتسب النقاش حول الأجور في القطاع العام أهمية متزايدة، فارتفاع تكاليف المعيشة أعاد طرح المطالبات بتحسين الرواتب بينما تبقى القدرة المالية للدولة محدودة في ظل التزامات كبيرة في قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية، وبين ضيق الموازنات وضرورة دعم الموظف، تبرز الحاجة إلى منظور جديد يتعامل مع التحفيز من زاوية أوسع من الدخل، منظور يوازن بين التقدير والنمو المهني والترقية والاجازات وحسب الجهد ومستوى الإنجاز كركائز أساسية للحفاظ على الأداء والروح الإيجابية داخل المؤسسات.

وتقدّم التجارب الدولية نماذج عملية يمكن البناء عليها، ففي فنلندا والدنمارك، يحصل موظفو القطاع العام على قسائم لزيارة مواقع ثقافية وطبيعية داخل بلدانهم مما يمنحهم استراحة صحية ويعيد صلتهم بمجتمعهم. وفي سنغافورة، يستفيد موظفو الحكومة من خصومات في المطاعم والمتاجر عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، وهي مبادرة تدعم رضا الموظف وتنشّط الاقتصاد المحلي في آن واحد، وفي فرنسا وإسبانيا، تمنح البلديات إجازات إضافية أو تنظم فعاليات تقديرا للاحتفاء بسنوات الخدمة.

رغم اختلاف الأشكال، يجمع هذه المبادرات إدراكٌ واحد: الإنسان يستجيب بقوة حين يشعر بالتقدير والتكريم، فالحوافز غير المالية لا تلغي أهمية الأجر، لكنها تكمله من خلال ملامسة الحالة المعنوية للفرد والجوانب النفسية والاجتماعية في بيئة العمل، وهي رسالة مفادها أن المؤسسة ترى موظفيها كأفراد لهم قيمة وليسوا مجرد أرقام في هيكل تنظيمي، وقد أثبتت التجارب الدولية أن أثار هذه النوع من الحوافز تنعكس بشكل مباشر على الأداء، فعندما يشعر الموظفون بالتقدير، تتراجع الغيابات ويتعزز الإبداع ويرتفع مستوى التعاون، وينعكس ذلك تلقائياً على جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين.

يمكن للأردن أن يكيّف هذه الأفكار وفق واقعه وموارده، فخطوات بسيطة قد تُحدث أثراً واسعاً، إذ يمكن للشراكات بين المؤسسات العامة والمتاجر والمطاعم والمواقع السياحية الداخلية أن تمنح الموظفين خصومات تشجعهم على الاستمتاع بوقتهم وتعزز السياحة المحلية في الوقت ذاته، كما يمكن تقديم قسائم زيارة لمواقع التراث والطبيعة الأردنية، إلى جانب إجازات إضافية عند التميز في العمل، ما يعزز التوازن بين الواجب والحياة الشخصية.

تتخطّى آثار هذه المبادرات حدود التحفيز الفردي لتلامس عمق العلاقة بين الدولة والمجتمع، فعندما يقضي معلم إجازة قصيرة في إحدى المحافظات، أو يستفيد موظف حكومي من خصم في متجر محلي، يتحوّل ذلك من مجرد امتياز إلى رسالة تقدير متبادلة تعزّز الثقة، وتنشّط الاقتصاد المحلي، وتؤكد أن الخدمة العامة رابط اجتماعي واقتصادي في آن واحد.

ولا تتطلب هذه المبادرات موارد مالية كبيرة بقدر ما تحتاج إلى تنسيق ورؤية مشتركة. فمن خلال تعاون الوزارات والبلديات والقطاع الخاص، يمكن للأردن تطوير منصة وطنية للحوافز الرمزية التي تُعبّر عن تقدير الدولة لموظفيها. ويمكن لهذه الأفكار أن تبدأ تجريبياً وتكبر تدريجياً ما دامت تقوم على قناعة بأن التقدير يعزز الأداء.

وفي جوهر هذه الفكرة حقيقة بسيطة.. الدافعية لا تُشترى، بل تُبنى، فكل كلمة شكر، وكل إجازة قصيرة، وكل لفتة تقدير تشكّل بيئة يشعر فيها الموظف بأنه مرئي ومهم، لقد حمل موظفو القطاع العام في الأردن عبر عقود طويلة قيم الانتماء والانضباط الا انه ومن خلال منظومة حوافز جديدة مبتكرة وغير مالية يمكن تعزيز وتطوير قوة الدولة في مجالات أداة القطاع العام وتقديم خطوة إضافية نحو قطاع عام أكثر اعتزازاً بنفسه وأكثر ارتباطاً بمن يخدمهم. ــ الراي

مواضيع قد تهمك