سارة طالب السهيل تكتب : الكلمة، حين تتحول إلى سلاح ضد الوطن (1-2)
أحيانًا أجلس وأفكر، ما الذي يدفع الإنسان الى أن يسيء لبلده؟ أن ينشر ما يسيء إليه، أو يروّج لأخبار غير مؤكدة، أو يأخذ صورة لشخص في موقف معيّن، ويعممها وكأنها ظاهرة تمثل وطنًا بأكمله؟.
أستغرب كيف أصبح بعض الناس يتعاملون مع البلد وكأنه ليس بيتهم، وكأنّهم يتكلمون عن غريب، لا عن وطن أعطاهم اسماً وذاكرة وهوية.
هناك من يظن أنه حين يهاجم أو ينتقد بطريقة جارحة أنه يمارس حرية التعبير، لكنه في الحقيقة يساهم في تسقيط صورة وطنه.
النقد لا يكون تسقيطًا، النقد الحقيقي هو بحث عن الإصلاح، هو رغبة في التغيير نحو الأفضل، أما الإساءة فهي تشويه وتدمير.
وللأسف، أحيانًا لا تكون هذه التصرفات بريئة.
بعض الذين يشيعون الأخبار المضللة، أو يثيرون الفتن على وسائل التواصل ليسوا مجرد أشخاص غاضبين أو ناقدين، بل قد يكونون جندًا من الداخل أو الخارج، يتحركون ضمن أجندات وأفكار تهدف لخلق الفوضى والانقسام.
وهناك من يعمل ضمن صراعات الأحزاب أو الطوائف أو مراكز النفوذ، فيستغل أي حدث صغير ليشعل به فتيل الكراهية.
والأخطر أن بعض الناس تنساق خلف هذه الحملات دون وعي، يشاركون الأخبار دون التحقق، يساهمون في إشاعة الخوف أو الحقد أو الإحباط، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى الكلمة الطيبة التي تبني، لا الكلمة التي تهدم.
كل وطن فيه أخطاء، لكن لا يجوز أن نسمح لأحد أن يستخدم أخطاءنا ضدنا.
بعض المنشورات تُكتب وكأنها من قلب الغيرة، لكنّها في الحقيقة تزرع الشكّ واليأس.
علينا أن ننتبه — فاليوم الإعلام سلاح، والصورة قد تُستخدم لتدمير وعي أمة.
لهذا أقول دائمًا: قبل أن تشارك أو تكتب، اسأل نفسك، هل ما سأقوله ينفع وطني أم يضره؟
هل أنا أساهم في النور أم أزيد الظلمة؟
يسيئون إلى بلدهم عبر مواقع التواصل،
• ينشرون أخبارًا مضللة أو صورًا جزئية،
،• يشيعون الفوضى والتسقيط دون وعي أو بدوافع سياسية أو طائفية.
في زمنٍ صارت فيه الكلمة أقوى من الرصاصة، بات بعض الناس يستخدمونها بلا وعي أو مسؤولية، ينشرون ما يسيء إلى بلدانهم، أو يختلقون القصص، أو يلتقطون صورة واحدة، فيعمّمونها وكأنها تمثّل وطنًا بأسره. هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها بسطحية أو اتهام جاهز؛ فهي مركّبة، تتداخل فيها الدوافع النفسية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وأحيانًا حتى الخارجية والدينية.
من الناحية الاجتماعية، كثير من الذين يساهمون في حملات التشويه يعيشون داخل دوائر مغلقة تعيد إنتاج الغضب والخوف. هم أشخاص يبحثون عن الانتماء في جماعات رقمية تمنحهم شعورًا بالهوية عبر السخط. كلما تضخمت حالة التذمر الجماعي، شعر الفرد بأنه جزء من قضية أو ثورة أو بطولة، فينشر دون تفكير؛ لأنه يظن أنه يدافع عن الحقيقة، بينما هو يكرّس الفوضى.
ومن منظور علم النفس، هناك دوافع شخصية خفية. بعضهم يعاني عقدة نقص تدفعه إلى كسر الرموز ليشعر بتفوقٍ زائف. آخرون مدفوعون بالحقد أو الغيرة أو خيبة الأمل. وهناك من يجد في التشهير نوعًا من التنفيس العاطفي عن غضب مكبوت أو إحباط متراكم. في كل الحالات، السلوك الخارجي ما هو إلا انعكاس لاضطراب داخلي يحتاج إلى وعي وإصلاح، لا إلى تبرير أو تسويق.
أما من باب الأخلاق، فالفارق كبير بين النقد النبيل الذي يريد الإصلاح، وبين التسقيط الذي يريد الإيذاء. النقد أخلاقي حين يكون بنّاءً، مدعومًا بالمسؤولية، أما من يشهّر ويعمّم ويسخر من أبناء بلده، فهو يساهم في كسر الصورة الإنسانية لوطنه، حتى وإن ظن أنه يمارس الحرية. الحرية بلا ضمير تتحول إلى فوضى، والكلمة بلا نية صافية تصبح سمًّا يسري في جسد الأمة.
وفي البعد السياسي، تتضح الصورة أكثر. فوسائل التواصل لم تعد مجرد مساحة للتعبير، بل تحولت إلى ساحات حرب ناعمة، تُستخدم فيها الجيوش الإلكترونية لتوجيه الرأي العام. هناك جهات داخلية تتصارع على السلطة، وأخرى خارجية تموّل حملات منظمة لزعزعة الثقة بالعملية السياسية. أحيانًا تكون هذه الصراعات حزبية أو فئوية أو قبلية، وأحيانًا طائفية، تُغذَّى بشعارات مذهبية من داخل البلد، يحاول إسقاط الآخر عبر حملات التشويه الممنهجة.