الأخبار

سامح المحاريق : الاتجاه شرقًا تجاه تكامل لاستثمار مكانة الأردن العالمية

سامح المحاريق : الاتجاه شرقًا تجاه تكامل لاستثمار مكانة الأردن العالمية
أخبارنا :  

تتواصل الرحلة الملكية في آسيا لتحط في سنغافورة وبعدها أندونيسيا في محطتين أتت بعض نتائجهما متوقعة، وأخرى طرحت أبعادًا وآفاقًا جديدة، ففي سنغافورة تأتي الإشارة إلى مكانة الأردن المستندة إلى إرث حضاري وديني عريق.

كنت أشرت في أحد اللقاءات التلفزيونية معلقًا قبل أيام إلى البعد الأخلاقي في علاقة اليابان مع الأردن، فاليابانيون يتصرفون بطريقة انتقائية في خيارات الشراكة الاستراتيجية على المستويين السياسي والاقتصادي، والأردن بلدٌ يرتقي للتصورات اليابانية حول الانفتاح والمسؤولية ضمن المنظومة التي تتطلع لإحلال السلام والاستقرار في العالم، بما يجعله شراكة متوطدة ومستدامة لتواجد اليابان في المنطقة.

الحديث السنغافوري يؤشر إلى وجود توجه عالمي إلى تعزيز القيم الأساسية التي ظهرت موضوعًا للانقسام والجدل على أساس المشاهد المريعة في الحرب على غزة، وكان الأردن من الدول التي أشرت بوضوح، بل وتوجه الملك مشيرًا بوضوح ومن غير مواربة، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى الخلل الأخلاقي المريع والفاضح الذي عايشه العالم في مواقفه من الحرب، الأمر الذي تقدم بالأردن إلى مستوى جديد من المكانة الدولية في موقف احتكاكي يشتمل على عامل المواجهة بعد استقرار مكانته كدولة داعية للتعاون والتكامل على المستوى العالمي.

لا يتوقف الأمر عند هذه النقطة، فالتصريح السنغافوري يتحدث أيضًا عن مكانة الأردن بوصفه أرضًا لتقاطع حضاري مهم، فالأردن اليوم يستوعب جانبًا من الحضارة الشرق آسيوية تضاف إلى المؤثرات التكوينية التي استوعبت موقعه في المشرق العربي المتصل بأوروبا وشمال افريقيا، بمعنى أن الأردن لا يعد موقعًا استثماريًا للصناعات أو الموارد الأولية، ولكنه أيضًا موقع للالتقاء على مستوى السياحة والتعليم وتبادل الخبرات والمؤتمرات.

الدور الذي تقدمه الأردن ليس دورًا تتمكن منه سنغافورة، ولا الدور السنغافوري في أولويات الأردن أو رؤاه، والتفاهم حول التكامل يصبح الأرضية العقلانية المشتركة، وهو ما يجب أن يصقل من خلال حوار بناء ومفتوح وقائم على التفاهم.

في المحطة التالية كانت أندونيسيا، وهي الملف السياسي في المرتبة الأولى خاصة مع تشكل المجموعة العربية – الإسلامية التي وسعت حالة الإسناد لقطاع غزة في مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع تجاه البحث عن تهدئة شاملة ومستدامة، وكان أن ضمت بجانب تركيا كلًا من أندونيسيا وباكستان، ويسعى الأردن للحث على محافظة البلدين على وتيرة مرتفعة من الاشتباك مع قضايا المنطقة العربية ليمثلا عمقًا إسلاميًا للجهود العربية تجاه إحلال السلام في المنطقة وتقييد العدوانية الإسرائيلية التي تفشت في هجمات على لبنان وسوريا واليمن في الآونة الأخيرة.

تشكل أندونيسيا مع باكستان كتلة سكانية تزيد عن نصف مليار نسمة، وتشكلان بجانب البعد السياسي للعلاقة سوقًا كبيرةً للصادرات الأردنية في حالة الوصول إلى ترتيبات خاصة حولها، ويبدو أن العرض العسكري للطائرات المسيرة المصنعة في الأردن يعتبر اختراقًا ذكيًا لعلاقة استراتيجية ذات بعد اقتصادي مع أندونيسيا التي تتشكل من نحو 18 ألف جزيرة، بما يعني فرصة لتشغيل آلاف الطائرات المسيرة من أجل مهام أمنية ومدنية في إقليمها الجغرافي الذي يتشكل من أرخبيل معقد في المحيط الهندي.

الاتجاه شرقًا خطوة مهمة بالنسبة للأردن، ويتوقع أن تتواصل الزيارات الواسعة المشابهة لتشمل افريقيا مستقبلًا، خاصة أن علاقة الأردن بأوروبا ووسط آسيا متميزة وبنيت خلال السنوات السابقة من خلال جولات متصلة استعرضت العديد من جوانب التعاون المشترك القائمة والمحتملة.

ويبقى السؤال الدائم والمهم، كيف يمكن ترجمة هذه الزيارات إلى مكتسبات من خلال المؤسسات المعنية في القطاعين العام والخاص، خاصة أن الفرص متنوعة ومتعددة وبعضها يمكن أنه يأتي من خارج حدود الفكر التقليدي، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام مختلف الأطراف من أجل البناء على زيارات كان لها دورها دائمًا في وضع الأردن في مكانة متميزة على خارطة العلاقات الدولية.

فهل تتشكل آلية للمتابعة تكلف من خلالها مؤسسات معينة، وهل تكون هناك أدوات تقييم لقدرة هذه المؤسسات والجهات المعنية على تحقيق مكتسبات فعلية، وكيف يمكن للقطاع الخاص أن يستفيد ضمن منظومة متكاملة، هذه كلها أسئلة يجب الإجابة عليها على هامش زيارة ناجحة للغاية في جانبها السياسي والاستراتيجي، وتبقى التفاصيل مسؤولية مهمة ومفتوحة للمتابعة والبناء.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك