م. هاشم نايل المجالي : البحث عن العدل في زمن الظلم
إنّ الله جلّ وعلا، بحكمته وعدله، أقام السموات والأرض على قانون ومسار وهُدى عظيم قائم على العدل، ومنع الظلم وتحريمه؛ فالعدل في كل شيء، ومنع الظلم في كل شيء.
الظلمُ هو الذي يجعل الأشياء في غير موضعها السليم والصحيح، والظلم هو سببُ المآسي للإنسانية والبشرية، سببًا لما تعيشه كثيرٌ من الشعوب، أفرادًا ومجتمعات، من حياة كئيبة يائسة، بينما بالعدل يتبدّل الأمر وتزدهر الأمور وتزدهر الأحوال، ويعيش الناس في أمنٍ واستقرار، وحياة كريمة.
فإنّ كثيرًا من زعماء الدول الكبرى أصبحوا يخرجون عن الناموس الكوني الذي وضعه الله جلّ وعلا، والله يعجّل لهم العقوبة، مهما كانت صروحهم مشيّدة ومحمية، فعقوبتهم في الدنيا قبل الآخرة.
قال رسول الله : «ما من ذنبٍ أجدر أن يُعجّل الله تعالى لصاحبه العقوبة، مع ما يُدّخر له في الآخرة، مثل البغي وقطيعة الرحم.»
والبغي هو الظلم بكل درجاته وأشكاله، ممّا يبيّن أن أهل الظلم، مهما علا شأنهم، متوعَّدون أشدّ الوعيد، وأنّ المظلومين يُهيّئ الله لهم فتح أبواب السماء لدعواتهم.
قال رسول الله لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «واتّقِ دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب، أي ليس هناك مانعٌ يمنعها، وأكبر شاهد على ذلك فرعون، الذي تجبّر وظلم العباد، واستطال بظلمه حتى نازع الله في ملكه بغيًا وعدوًا، قال: «ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري، ثم كانت العاقبة أن الله عزّ وجلّ، لما أغرقه، جعل جسده باقيًا حتى يكون عظةً وعبرةً للعباد.
وهناك من رؤساء الدول الكبرى من يسلك مسلك فرعون، يتسلّطون على العباد، فالظالم عاقبته شنيعة، قال تعالى: «ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا.»
فالأمم الظالمة، وإن طال الزمان، لها أجلٌ محدد، قال تعالى: «ولكل أمةٍ أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون»، فالله عز وجل يُمهل ولا يُهمل، والعدل ميزانٌ دقيق، وتوازنٌ رشيق؛ لأنّ الظلم يذهب بالمجتمعات ذهابَ الريح والرماد، ويفكّك المجتمعات، حيث يسلب القويُّ قوّةَ الضعيف، وتنهب الدولُ القويّةُ خيراتِ الدولِ الضعيفة، ناسين عدالة السماء التي ستكون الفيصل في الحساب والعقاب.
فلا بدّ أن نُعيد تثبيت المفاهيم الفارقة بين الظلم والعدل، وبين الحق والباطل، لما نشهده من ظلم على شعوبٍ ضعيفة، تجبّر بها زعماء يملكون من القوّة العسكرية ما يفتك بها دون رحمة.
ونحن نشهد زمانًا انتُهِكت فيه الحرمات، وقُتِلت فيه الشعوب، وذُبِحوا، وجاعت فيه الشعوب: كهولًا وأطفالًا، ورُفِعت راياتُ الفساد والإفساد.
فعلينا أن لا نعيش في معزلٍ من ذلك كلّه، بل علينا مواجهة ذلك بالعقل والبصيرة، فالإنسانية تبحث عن العدل في زمن الظلم.
ففي خضمّ الصراعات والنزاعات التي تعصف بالمجتمعات هنا وهناك، يختار البعض أن يلوذ بالصمت، ويتّخذ من الحياد درعًا يحتمي به من تبِعات اتخاذ موقف واضح وصريح، حيث يعتبرون أن الحياد أكثر أمانًا، ويُجنّبهم الولوج في الأحوال أو التورّط في الجدال، ولا يُكلّفون أنفسهم عناء التمييز بين المظلوم والظالم، أو بين حق وباطل، وهم يعفون أنفسهم من أعباء الانتصار للحق، ويُجنّب صاحبَه خصومَ الظالم وأذاه.
ويَلجأ الكثيرون إلى الكلمات المعسولة، بقولهم: «إنه الوعي والترفّع عن المهاترات»، وهم يعرفون الحقيقة: أن ترك الوقوف مع المظلوم بدعوى الحياد، هو في الحقيقة خذلان.