الأخبار

بسام محمد ابو رمان : بوادر انقلاب الغرب على الشرعية الدولية وفقا لنظرية "صناعة المستقبل"

بسام محمد ابو رمان : بوادر انقلاب الغرب على الشرعية الدولية وفقا لنظرية صناعة المستقبل
أخبارنا :  

أولا: مفهوم الشرعية الدولية بين النشأة والتطور: هي القواعد والقوانين المسؤولة عن تنظيم العلاقات الدولية وحفظ منظومة الأمن والسلم وحقوق الإنسان على الصعيد العالمي- والتي تم ترسيخها من خلال اتفاقية ميثاق الأمم المتحدة 1945 بنهاية الحرب العالمية الثانية. ومن أمثلتها احترام حصانة الدول وسيادتها وحظر استخدام القوة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.

وقد تطور هذا المفهوم بنتيجة الوعيُ الناجمُ عما جاوز المئة مليون قتيل بعد الحروب العالمية. حيث برزت رغبة أممية، عند شعوب الغرب خاصة، بضرورة مضاعفة دور الشرعية الدولية لحماية حقوق الإنسان ونبذ الأطماع الاستعمارية بكافة أشكالها. وبالتالي، ساهمت الديمقراطية الغربية بإخضاع قيادات الغرب لرغبات شعوبهم والانتقال من "الدبلوماسية" الكلاسيكية الى "الدبلوماسية العلنية [Public Diplomacy]"- والتي توجب إطلاع الشعوب على سياسات حكوماتهم تجاه الدول الأخرى؛ بل وترويج ثقافة السلم إضافة الى التسويق الاقتصادي والثقافي والتحالفات السياسية المعلنة. وقد حافظ الغرب فعلا على تلك المصالح لشعوب هو ضمن تشريعاته الداخلية على مدار ما يزيد عن الخمسين عاما- بينما استغل ذريعة حقوق الإنسان لإخفاء أطماعه وتدخلاته بسياسات دول العالم الثالث بحجة تطويرها- الى الحد الذي سمح بترجيح كفة التدخل الإنساني، على كفة ما كان يعرف بقدسية سيادة الدول وحصانة سياساتها الداخلية على الدول الأخرى!

ثانياً: مفهوم "صناعة المستقبل": يرى أتباع نظرية المؤامرة أن الثورة التكنولوجية في وسائل التواصل وسهولة نقل المعلومة وكشف الحقائق المتزامن مع بداية هذه الألفية جعلت منه مضطراً لخلق أحداث أكثر قدرة على تبرير تدخلاته وأطماعه المتزايدة بدول العالم الثالث- مؤكدين على أن تمسك الغرب بالشرعية الدولية هو تمسك ظاهري أمام شعوبه فقط؛ وكي لا يُتَخَذ من مخالفته قرينة لدى القوى الأخرى لمخالفة القانون الدولي بالمقابل! ومن أبرز تلك الأحداث ما جاء بخطاب بوش الشهير أمام رؤساء العالم أجمع في مبنى الأمم المتحدة بتاريخ 12 سبتمبر 2001 من أن الولايات المتحدة ستقوم بمحاربة الإرهاب أينما وجد دون أن يعتبر ذلك عدواناً على الدولة الحاضنة- كاستثناء مقبول على الشرعية الدولية بموجب عدم اعتراض أي من الحاضرين! وأكذوبة "أسلحة الدمار الشامل" لتبرير حرب العراق 2003 بمواجهة شعوبه وناخبيه. وكذلك انسحاب إسرائيل من غزة 2005 بعد إنكار محكمة العدل الدولية بقضية الجدار الفاصل 2004 [وكذلك 19 تموز 2024] لحق الدفاع عن النفس ضد أي "عدوان" قادم من داخل البلاد التي تسيطر عليها سلطة الاحتلال. وأخيراً، افتعال الرسوم الكاريكاتورية المسيئة بالدنمارك 2005 وبدء ظاهرة منع ارتداء الحجاب بالمدارس الأوروبية 2009 وما بعد، لغايات ربط مسمى الإرهاب، في ذهن الشارع الغربي، بالفكر الإسلامي تحديدا- خاصة بعد ما تم من حرق لسفارات الدول الإسكندنافية كالدنمارك والنرويج؛ بالإضافة الى السجال الثقافي بين حرية التعبير والقيود الدينية وما رافق ذلك من ترويع وتهديد للشعوب الأوروبية بالانتقام وغيره.

ثالثاً: حقبة ترامب وبوادر النظام العالمي الجديد: بات من الواضح أن العالم بشكل عام، والشرق الأوسط على وجه التحديد، قد بدأ بالفعل بخوض غمار مرحلة مبهمة تُمهدُ لخلق نظام عالمي جديد. وكأن لسان حال الواقع يقر علانية بأنها حقبة الغلبة للأقوى! بل وكأن العالم الذي نعيشه اليوم "يجاهر على استحياء" بنيته على استبدال ضوابط الشرعية الدولية- مع ضرورة ضبط التوقعات- بأسسٍ تتجنب المجاملات السياسية، ولا تحتكم إلا الى المصالح المدعمة بالقوة اللازمة لإقرارها! علماً أن الشاهد من تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب يؤكد على رغبته في إحلال السلام!

أما لو صح ما سبق من فرضيات، فهل يؤثر ذلك على الشرق الأوسط بشكله الحالي؟ وهل تنعكس تلك السياسات على فرض سلام مستدام وحل عادل للقضية الفلسطينية التي استملكت عدالتها قناعات شعوب العالم الحر؟ أم أن "ما بالجراب" ما زال قادرا على أن يُعجز "الحاوي"؟ تتابع الدول الضعيفة، بحرص المثابر وريبة المستكين، ظاهرة القاعدة اليمينية الشعبية، العابرة للحدود، التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي ترامب، دون غيره من الرؤساء. والخشية من أنها قد تسمح له بتجاهل احكام الشرعية الدولية علانية؛ بل والداخلية أيضاً، دون حرج من ناخبيه، أو اكتراث لما قد تلجأ له قوى الشرق العظمى بالمقابل! ويدرك العالم المتمدن أجمع بأن الضربات الاستباقية الإسرائيلية والأمريكية على المفاعلات الإيرانية في حزيران 2025؛ وما تبعها حتى اللحظة من استباحة إسرائيلية، بمباركة أمريكية مبطنة، للسيادة السورية أو تهديدات علنية بعدم تردد الجيش الإسرائيلي عن تكرارها ضمن العمق الإيراني أو دول الجوار دون حصر، لمجرد درء مخاطر احتمالية مستقبلية- تعتبر أمثلة صارخة على تغليب نظرية "القدرات الواقعية"على ضوابط الشرعية الدولية- وهو الأمر الذي يكفل انهيار منظومة التعايش العالمي بالتبعية إن تم اقراره!

وبالمقابل، يحافظ الرئيس ترامب على وعوده لتحقيق السلام في سعية لاستحقاق جائزة نوبل،،،! فهل تطابق أفعاله الأقوال؟..

مواضيع قد تهمك