د. ايوب ابو دية : هل دُمر قطاع الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة؟
شهدت فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى (2017-2021) انعطافًا حادًا في سياسات الطاقة الأميركية، حيث تبنى خطابًا يعزز الوقود الأحفوري على حساب الطاقة النظيفة. جاءت سياساته معاكسة تمامًا للتوجه العالمي نحو خفض الانبعاثات ومكافحة تغير المناخ. ومن أبرز مظاهر هذه السياسات فرض ضرائب جديدة على مكونات الطاقة الشمسية، رفع الفوائد على القروض، والتراجع عن الحوافز الضريبية، مما شكل ضربة قوية لصناعة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة.
ففي يناير 2018، فرض ترامب ضرائب جمركية بنسبة 30% على الألواح الشمسية المستوردة، بحجة حماية الصناعات المحلية. لكن الواقع كان مختلفا، حيث أن معظم الألواح الشمسية تُستورد من دول آسيوية، وهذه الرسوم أدت إلى ارتفاع أسعار مشاريع الطاقة الشمسية بنسبة 10-15%، وبالتالي إلغاء أو تأجيل مئات المشاريع المتوسطة والصغيرة في أميركا نفسها، وفقدان نحو 23,000 وظيفة في قطاع الطاقة الشمسية خلال عام واحد فقط (2018)، وفقًا لجمعية صناعات الطاقة الشمسية (SEIA).
كما سعت الإدارة إلى تقويض الحوافز الضريبية الممنوحة للطاقة المتجددة، مثل الائتمان الضريبي للاستثمار (ITC) والائتمان الضريبي للإنتاج رغم أن هذه الحوافز كانت محركًا أساسيا لنمو الطاقة المتجددة منذ عهد أوباما.
بالتوازي مع رفع الضرائب، ضغطت إدارة الرئيس ترامب من خلال البنك الفيدرالي والسياسات المالية لرفع أسعار الفائدة، مما جعل القروض أكثر تكلفة. وهذا أدى مباشرة إلى صعوبة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة للطاقة المتجددة، وتفضيل المستثمرين التوجه صوب قطاعات أخرى أقل مخاطرة، مثل قطاعي النفط والغاز التي تلقت دعما سياسيا قويا، الأمر الذي عزز الولايات المتحدة كأول منتج للنفط في العالم، وفي الوقت نفسه كثاني أكبر ملوث للبيئة بعد الصين.
وفي عام 2017، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، مما أرسل إشارة سلبية للسوق العالمي بأن أكبر اقتصاد في العالم يتراجع عن التزاماته المناخية. هذا القرار لم يؤثر فقط على السياسات الداخلية، بل أضعف الزخم الدولي للاستثمار في الطاقة النظيفة بطريقة لافتة.
لذلك تباطؤ نمو قطاع الطاقة الشمسية بنسبة تصل إلى 9% سنويًا بين 2018 و2020، مقارنة بمعدل نمو 20% سابقًا، وتعززت مكانة الفحم والنفط لفترة قصيرة رغم اتجاه العالم إلى التخلص منهما، وتراجعت تنافسية الشركات الأميركية في سوق الطاقة النظيفة العالمية لصالح الصين وأوروبا، الأمر الذي أدى إلى فقدان عشرات الآلاف من الوظائف الخضراء مقابل دعم صناعات الوقود الأحفوري.
ولكن، رغم أن سياسات ترامب أعاقت قطاع الطاقة المتجددة مؤقتًا، إلا أن السوق أظهر مقاومة ملحوظة، بدفع من حكومات الولايات (مثل كاليفورنيا ونيويورك) والقطاع الخاص. ومع وصول إدارة الرئيس بايدن في 2021، انطلقت الطاقة المتجددة من الرماد كطائر العنقاء وعادت الاستثمارات والسياسات الداعمة بقوة أكبر، مما جعل فترة ترامب تظهر كعائق مؤقت، وليس انهيارًا كاملاً لهذا القطاع.
ولم تُظهر سياسات الرئيس ترامب في عام 2025 أي انتفاع من تجربته السابقة وتأثيرها السلبي على الطاقة المتجددة والبيئة، فعادت حليمة لعادتها القديمة، بمعنى أنه عاد الى التراجع الرسمي عن اتفاق باريس، وتعليق دعم وتراخيص مشاريع الرياح، وفرض رسوم جمركية مشددة، وغيرها من إجراءات اعتباطية شبيهة بما حدث عندنا مع الوزارة السابقة عندما رفعت الضرائب فجأة على المركبات الكهربائية، فجمدت الاستثمار في السوق، ثم جاءت قرارات طيبة مؤخرا بتنزيلها، فعادت العجلة تدور من جديد.
خلاصة القول إنه خلال هذا العام 2025 اختار الرئيس ترامب سياسة واضحة لصالح الوقود الأحفوري: انسحب من اتفاقيات بيئية دولية، وأوقف تراخيص الألواح الشمسية وقطاع الرياح، ورفع الرسوم على التكنولوجيا النظيفة والقروض، وسعى لإلغاء الحوافز الضريبية لصالح النفط والغاز. وقد مثلت سياسات الرئيس ترامب مثالًا صارخًا على كيفية عرقلة القرارات السياسية صوب الانتقال نحو الطاقة النظيفة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على المستوى العالمي.
ومع ذلك العناد كله، أثبت قطاع الطاقة المتجددة في العالم بأسره أنه يمتلك قدرة على الصمود أمام الرياح المعاكسة السياسية والاقتصادية والبيئية، فلم تعد تنافس الطاقة المتجددة أي مصادر طاقة معروفة على الإطلاق، فضلا عن أن الطاقة الشمسية باتت مدعومة بتطور التكنولوجيا يوميا، وانخفاض تكاليف إنتاجها، والقناعة الشعبية الراسخة أن الطاقة المتجددة النظيفة هي طاقة الحاضر والمستقبل، بل وطاقة السلام بلا منازع.