الأخبار

السفير الفلسطيني ماجد بامية: أنقذوا غزة لأنها تستطيع أن تنقذ إنسانيتنا جميعا

السفير الفلسطيني ماجد بامية: أنقذوا غزة لأنها تستطيع أن تنقذ إنسانيتنا جميعا
أخبارنا :  

في اليوم الثاني من مناقشة تقرير "الأطفال والصراعات المسلحة” الذي أعدّته فرجينيا غامبا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، ألقى نائب المراقب الدائم لدولة فلسطين، السفير ماجد بامية، كلمة قوية خلال الجلسة، أشار فيها إلى النواقص التي شابت التقرير، وتجاهله لما تعرضت له مستشفيات الأطفال ومدارسهم من دمار أثّر على نحو مليون طفل في قطاع غزة.

وانتقد بامية انسحاب فرجينيا غامبا من جلسة يوم الأربعاء، عندما بدأ السفير الجزائري في كشف أوجه القصور في التقرير وتوجيه انتقادات حادة له، مشيراً إلى أن التقرير لم يرقَ لمستوى مأساة أطفال غزة، ولم يعكسها لا في مضمونه ولا في بياناتها.

وقال السفير الفلسطيني: "أعرب عن أسفي الشديد لموقف فرجينيا غامبا، التي انسحبت من جلسة مجلس الأمن أمس، غير قادرة على تحمّل بعض الانتقادات المشروعة لتقصيرات تقريرها، كما أشار إليها السفير الجزائري عمار بن جامع، وعدم التزامها بولايتها. مليون طفل تعرّضوا ويتعرضون للجوع والاضطهاد، وخمسون ألفاً قتلوا أو شُوّهوا، ولا تتحمل هي مجرد الاستماع إلى نقد بناء من ممثل دولة. تخيّلوا لو أن مسؤولاً أممياً انسحب أثناء حديث مندوب إسرائيل وانتقاداته. ما الذي كان سيحدث؟ أعتقد أنه كان سيُجبر على الاستقالة. لكن الأمر مختلف حين يتعلق بالفلسطينيين. نرفض أن يكون دمنا أقل قدسية، ومن حقنا أن نغضب ونعبر عن قهرنا”.

وأضاف موجهاً حديثه لأعضاء المجلس: "أطفال فلسطين يعرفون الموت بكل أشكاله ومآسيه. لقد جربوه، عاشوه، وشاهدوه. مليون طفل في غزة لم ينجُ أحد منهم من المعاناة. أقل التقديرات تشير إلى مقتل أو إصابة 50 ألف طفل، دون احتساب المفقودين. تخيلوا معي، 50 ألف طفل فلسطيني، أي ما يعادل 700 ألف طفل بريطاني أو فرنسي أو ألماني، أو 3.5 مليون طفل أمريكي، أو 150 ألف طفل إسرائيلي. لو حدث ذلك في هذه الدول، لقامت الدنيا ولم تقعد. لكن هؤلاء فلسطينيون، ممنوع المقارنة. ونحن لن نقبل أبداً أن نُعامل كأقل شأناً، أو أن تُهدر حياة أطفالنا، أو أن يُخفف من وقع حزن أهالينا، أو أن يُبرر من قتلهم أو يُحصّن من المحاسبة. نرفض هذه الازدواجية في المعايير، ويجب على الجميع رفضها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأطفال”.

وأكد بامية أن الذين يسألون عن جنسية الطفل أو دينه أو عرقه قبل إدانة قتله، لا يمكنهم الادعاء بأنهم يحترمون الحياة أو القانون الدولي أو يدافعون عن القيم الإنسانية. وقال: "يجب أن نقف جميعاً ضد قتل الأطفال، بغض النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم. الأخلاق السليمة تفرض احترام جميع الأطفال دون تمييز. هؤلاء الأطفال يجب أن يتمتعوا بالأمن والسلامة. هذه هي القيم التي يجب أن نلتزم بها”.

وتابع السفير الفلسطيني قائلاً: "الأطفال الفلسطينيون يُقتلون، يُشوّهون، يُجوَّعون، ويُفقدون أطرافهم وأحبتهم وأهاليهم. تخيلوا معي أي نوع من ثقافة الكراهية يسمح بمواصلة قتل الأطفال يومياً على مدى 628 يوماً، على مرأى من العالم، وبنقل حي. أطفال يختنقون تحت الركام، ولا يُحاسب أحد”.

وأشار بامية إلى أن المندوب الإسرائيلي اقتبس مقولة غولدا مائير: "سيحل السلام عندما يحب العرب أطفالهم أكثر مما يكرهوننا”، وسأل: "هل هناك تجريد للإنسان الفلسطيني أكثر من ذلك؟ الفلسطينيون يكرهون الاحتلال لما سببه من مآسٍ لأطفالهم. ألم تروا الآباء الفلسطينيين وهم يحمون أطفالهم بأجسادهم، ويضمّونهم أحياءً وأمواتاً؟ ألم تروهم ينبشون الركام بحثاً عن فلذات أكبادهم؟ ألم تروهم وهم يضمدون جراح أطفالهم بأيديهم لغياب الدواء؟ ألم تشاهدوهم وهم يراقبون أبناءهم يحترقون؟ كم من الحقد يلزم لارتكاب مثل هذه الجرائم؟”.

وتابع: "هؤلاء الآباء يُغامرون يومياً بحثاً عن الطعام لأولادهم، ويُقتلون بدم بارد. ثلاثون إلى أربعون منهم يُقتلون يومياً أثناء سعيهم لإطعام أطفالهم، ويُعاملون كما لو أنهم قطيع. يُطلق عليهم النار مثلهم مثل المدنيين الآخرين: عمال إغاثة، صحافيين، موظفي الأمم المتحدة، أطباء، وممرضين. الآن ظهرت فئة جديدة: ‘الباحثون عن الطعام'”.

وأوضح أن الاحتلال هو من ابتكر الموت بالتجويع، والآن، بحسب تقرير اليونيسف، سيموت الناس من العطش أيضاً. "كل ذلك بفعل الاحتلال. هذه هي الحضارة التي يدافعون عنها”.

وعن تصريحات نتنياهو عند سقوط صاروخ إيراني على مستشفى سوروكا، والتي وصف فيها ما حدث بأنه "جريمة ضد الإنسانية”، قال بامية: "قارنوا هذه التصريحات مع ما فعلته إسرائيل بجميع مستشفيات غزة. هل نسي تلك الصور المروعة لأطفال ماتوا في الحاضنات؟ هل نسي مشاهد الجرحى يسيرون على عكازات وسط الركام؟ هل نسي اعتقال الأطباء، ومنهم من عُذب حتى الموت؟ ولكن، طالما أنهم فلسطينيون، لا غضب ولا صدمة ولا إدانة”.

وأضاف أن السفير الإسرائيلي كرّر الكذبة المعهودة بأن المقاومة تستخدم الأطفال كدروع بشرية، وهي ذريعة لقتلهم. بينما تقرير "الأطفال والصراعات المسلحة” يشير إلى أن إسرائيل هي من استخدمت 27 فتى فلسطينياً كدروع بشرية في غزة والضفة. "عندما يستخدمون الأطفال كدروع بشرية فهذا حضارة، أما غيرهم فبربرية. يتحدثون عن حق دفن الموتى، لكنهم يحتجزون جثامين الفلسطينيين منذ 30 سنة. هم يعتبرون تصرفاتهم حضارية، وغيرها همجية. يصفون أطفالنا بالوحوش، بينما الوحوش الحقيقيون هم من يقتلونهم، يشوّهونهم، يرعبونهم، ويتركونهم بلا مأوى ولا طعام ولا دواء ولا مستقبل”.

وقال إن أي مسؤول دولي يجرؤ على انتقاد هذه الأفعال، يُستهدف ويُهاجم ويُتهم بشتى التهم. "وقد رأيتم الكثير من هذه الحالات. لهذا تقتل إسرائيل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في الإغاثة، نتيجة التحريض المستمر ضد الأمم المتحدة”.

وتساءل السفير بامية: "أين الاهتمام الدولي بما يجري في غزة، بينما حرب الإبادة تفتك بالألوف؟ لا نرى استعجالاً لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات أو إطلاق الرهائن. يقولون إن هناك مفاوضات جارية، ولا حاجة للاستعجال، بينما الفلسطينيون يُقتلون ويُهجرون ويُجوعون يومياً”. وأضاف: "الأطفال الفلسطينيون يتعرضون لكل هذه الجرائم، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو القدس، على أيدي الجيش أو المستوطنين، فقط لأنهم وُلدوا فلسطينيين. يريدونهم أن يختفوا، يريدون الأرض بلا سكان، ويعملون على تنفيذ ذلك”.

وختم مداخلته قائلا: "عالمنا المشترك يتحطم في غزة، ولا سبيل لإنقاذه إلا بإنقاذ غزة. أنقذوا غزة، لأنها هي من تستطيع إنقاذ إنسانيتنا جميعاً. العالم يقف مع غزة، لكن غزة تقف وحدها في وجه حرب إبادة. أنقذوا غزة، وأنقذوا أطفال غزة”.

مواضيع قد تهمك