د. محمد عبد الحميد الرمامنة : التحديات الأمنية لمفاعل ديمونا وأهمية الاستعداد الوطني.

في عمق صحراء النقب، حيث لا شيء يوحي بالحياة، يقف مفاعل ديمونا، أو كما تسميه إسرائيل بـ"شمعون بيريز للأبحاث"، محاطًا بالصمت والتكتم والغموض. إنه ليس مجرد منشأة نووية قديمة، بل زمن متراكم من الإشعاعات المغلقة في أنابيب منهكة، وأجهزة مرّت عقود على تصنيعها، وقلب نووي لم يعد يخفق بثقة.
المفاعل اليوم يشيخ. هذه ليست مبالغة بل حقيقة تدركها حتى النخب العلمية في تل أبيب نفسها، يُظهر مفاعل ديمونا الإسرائيلي، الذي تجاوز عمره الستين، حالة من التآكل المتزايد في بنيته التحتية وأنظمة الأمان، مما يزيد من مخاطر وقوع حوادث نووية محتملة. المنشآت النووية القديمة بحاجة إلى مراقبة دقيقة ومستديمة لمنع أي تسرب إشعاعي أو حوادث فنية، خاصة في ظل التوترات السياسية الإقليمية التي قد تؤثر على استقرار هذه المنشآت.
غياب الرقابة الدولية الفعالة على المنشآت النووية في مناطق النزاع يفاقم من احتمالية وقوع حوادث كارثية تمتد أضرارها إلى الدول المجاورة ومنها الأردن، التي تقع ضمن مدى التأثير المحتمل لأي تسرب إشعاعي.
ومع تقدم العمر، لا تشيخ الأجهزة فقط، بل تضعف أنظمة الأمان، وتزداد فرص الخطأ، وتتسرب المخاطر كما تتسرب الذكريات من عقل كهل يوشك أن ينسى. نحن في الأردن لا نحتاج إلى صاروخ يسقط فوق رؤوسنا كي نكون في خطر، كل ما يكفي هو أن ينكسر صمام صغير، أو أن تشتعل شرارة خطأ بشري في غرفة معزولة خلف الخرسانة، لتتحول الريح إلى عدو صامت، يحمل معه غباراً مشعًا يلوّث الماء والتراب والطفولة.
اليوم، التهديد لا يأتي من داخل المفاعل فقط، بل مما هو أبعد... من صراع إقليمي تتزايد نبرته، تتصدره التهديدات الإيرانية المباشرة باستهداف ديمونا، ضربة واحدة، دقيقة كانت أو طائشة، كفيلة بتحويل الجنوب إلى ساحة هروب جماعي، لا من القذائف، بل من الهواء نفسه، وهنا تكمن التساؤلات المؤلمة: نحن لسنا طرفًا في هذه الحرب، ولا نملك حتى القدرة على حماية أنفسنا منها بالكامل، لكننا أقرب إلى أن نكون أول من يدفع الثمن.
الخطر لا يُقاس بعدد الكيلومترات، بل بسرعة الرياح. والاردن ليس بعيد عن حافة الإشعاع. الكرك، الطفيلة، الشوبك، وحتى غور الصافي، جميعها ضمن المدى المحتمل إن تحرك الغبار المشع بوجه الريح، وكل ما يلزم هو توقيت سيئ، وغفلة في السماء.
في هذه اللحظة، لا نملك القدرة على الإنكار، السؤال الذي لا يجب أن يكون: "هل سينفجر المفاعل؟" بل: "هل نحن مستعدون إن حدث ذلك؟" ماذا أعددنا من خطط وقائية؟ هل توجد أجهزة رصد إشعاعي كافية منتشرة في المناطق الحدودية؟ هل لدينا كميات كافية من أقراص اليود لتوزيعها سريعًا على السكان؟ هل هناك حملات توعية واضحة لمعرفة كيفية التصرف في حالة وقوع تسرب إشعاعي؟ أين دور الإعلام في إيصال هذه الحقائق؟ وأين دور المسؤولين في تأمين هذه الاحتياطات؟
الأردن اليوم بحاجة إلى تحرك فوري على المستويات كافة، يجب أن نطالب بتدويل هذا الخطر وفتح قنوات شفافية مع الجهات الدولية المعنية لضمان رقابة دائمة على مفاعل ديمونا، علينا بناء منظومة متكاملة للرصد والإنذار المبكر، وتدريب الطواقم الطبية والطوارئ على التعامل مع الكوارث النووية، ولا يخفى على أحد أن الوقاية خير من العلاج، وأن الوقت ليس في صالحنا إذا ما استمر الصمت والإهمال.