د. زهير الطاهات : الملك يدق ناقوس الخطر
يتجدد صوت الحق الذي يطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني في كل المحافل الدولية، منادياً بإنصاف الشعب الفلسطيني، ومؤكداً حقه المشروع في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية. لقد شكّلت القضية الفلسطينية على الدوام محوراً أساسياً في السياسة الأردنية، وفي ضمير جلالة الملك، الذي لم يدّخر جهداً في الدفاع عنها، كما لم تغب معاناة أهلنا في غزة عن مواقفه الصلبة والداعمة لوقف آلة القتل والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومن فوق قمم فرنسا، وفي قلب أوروبا، ارتفع صوت جلالته مدوياً من على منبر البرلمان الأوروبي، مطالباً العالم أجمع بوقف العدوان ورفع الظلم عن غزة، داعياً إلى تغليب إنسانيتهم والانحياز للمظلوم، ووقف آلة الموت، ودعم أهل غزة ليعيشوا بكرامة وأمان على أرضهم. لقد كان نداؤه واضحاً: يجب وقف الحرب فوراً، وبلا أي تأخير، وإنهاء جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية.
وفي وقت صمتت فيه معظم قيادات العالم، وغابت ضمائر مؤسساته ومنظماته، وساد البكم والصمم أمام صرخات الأطفال ودماء الأبرياء، خرج الملك عبدالله الثاني من ضباب أوروبا لينير الظلام، ويرفع لواء الحق في وجه القهر والاستبداد، مخاطباً ضميراً إنسانياً أنهكته الحسابات السياسية، مطالباً بالعدالة لشعب أعزل يتعرض لمذبحة مفتوحة على مرأى العالم.
في خطاب تاريخي من مدينة ستراسبورغ الفرنسية، قرع جلالة الملك ناقوس الخطر، محذراً من أن استمرار الحرب في غزة قد يشعل نيراناً تمتد خارج الإقليم، ولن تقتصر آثارها على منطقة بعينها. لقد حمل خطابه تحذيراً صريحاً من مستقبل قاتم إن استمر الصمت العالمي، واستمر العدوان الإسرائيلي الذي لا يعرف حدوداً، ويمتد الآن في تهوره وعدوانه حتى إلى إيران.
كان خطاب جلالته درساً في الدبلوماسية الهاشمية، وخطاباً أخلاقياً عميقاً، يستنهض الضمير العالمي، ويعيد تعريف المبادئ الإنسانية التي يفترض أن توحد البشرية. وأوضح، بصراحة وجرأة، أن الانحراف الأخلاقي الذي أصاب قادة العالم بلغ ذروته، وأن ما يحدث في غزة ليس فقط مأساة إنسانية، بل فضيحة أخلاقية تعري القيم التي يدعيها العالم المتحضر.
أكد جلالته أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي من أشعلت فتيل الحرب، ووسّعت دائرة العنف والدمار، وارتكبت مجازر مروعة دون رحمة، وسقط عنها القناع الزائف، لتنكشف حقيقتها المتوحشة التي لا تعرف معنى للرحمة أو الإنسانية، إذ امتلأت كؤوسها بدماء الأطفال والشيوخ في غزة، وواصلت عدوانها بلا رادع.
وقد خاطب جلالة الملك أبناء الإنسانية كافة، داعياً إلى الاصطفاف في مواجهة هذا الاحتلال الغاشم، وضرورة وقف الحرب فوراً، وتطبيق القانون الدولي والإنساني، محملاً المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية تجاه ما يحدث يومياً في غزة، محذراً من توسع دائرة الحرب نحو صراع إقليمي أكبر بين إسرائيل وإيران.
وفي ظل التوترات الإقليمية وتراجع الأداء الدبلوماسي العربي والدولي، جاء صوت الملك صادحاً، شجاعاً، ومعبّراً عن موقف أخلاقي وسياسي ثابت، ليعيد الاعتبار إلى الدبلوماسية الأخلاقية التي باتت نادرة. لقد وجّه جلالته نداءه إلى أوروبا والعالم، مذكّراً بالقيم المشتركة التي تجمع الأديان السماوية: العدالة، والرحمة، واحترام الحياة، والدفاع عن المظلوم، وحماية الأطفال، ومساعدة الفقراء والمصابين، واحترام كرامة الإنسان.
لقد عزف الملك على أوتار القيم الإنسانية والدينية التي توارثتها الأديان، منبهاً العالم إلى ضرورة العودة إلى جادة الصواب، واتخاذ موقف واضح تجاه العدوان، ورفض استمرار المجازر بحق شعب محاصر. لقد كان خطابه تجسيداً لنبض الأمة، وصوتاً أخلاقياً نادراً في عالم أنهكته المصالح وتناسى المبادئ.