الأخبار

م. احمد زهير ارجوب : الحرب ما بعد الإنسان: قراءة في سباق التسلّح الذكي بين إيران وإسرائيل

م. احمد زهير ارجوب : الحرب ما بعد الإنسان: قراءة في سباق التسلّح الذكي بين إيران وإسرائيل
أخبارنا :  

في قلب التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، برز الذكاء الاصطناعي كعنصر محوري يعيد تشكيل مشهد الحرب التقليدية ويؤسس لمرحلة جديدة من الصراع لا تُدار بالبندقية وحدها، بل بالحوسبة الفائقة والخوارزميات الذكية. لقد غيّر الذكاء الاصطناعي معادلة المعركة، حيث لم تعد الحروب تعتمد فقط على الأعداد والعتاد، بل باتت تُخطط وتُدار من غرف محكمة خلف شاشات تحليل البيانات والتعلّم الآلي، حيث تُتخذ القرارات العسكرية بناءً على توقعات رقمية لا هوى فيها، وتُحدد الأهداف من خلال تقاطع معقد للمعلومات الاستخباراتية والبيانات الآنية.
أحد أبرز مظاهر هذا التحول يتمثل في الطائرات المسيّرة والروبوتات القتالية التي باتت تؤدي أدوارًا ميدانية حساسة في المواجهة بين الطرفين. إيران كثّفت استخدامها للمسيّرات في عمليات الاستطلاع والضربات الدقيقة، بينما تعتمد إسرائيل على أنظمة قتالية مستقلة عالية الذكاء قادرة على اتخاذ قرارات هجومية دون تدخل بشري مباشر. هذه الأنظمة تثير جدلًا أخلاقيًا وقانونيًا حول مدى إمكانية منح «الحق في القتل» لآلة، لكنها أيضًا تُظهر إلى أي مدى بات الذكاء الاصطناعي قادرًا على قلب موازين الحرب دون أن تُطلق رصاصة واحدة من جندي ميداني.
في موازاة ذلك، تتسع رقعة الحرب لتشمل الفضاء السيبراني، حيث لا تُسمع أصوات الانفجارات لكن آثارها لا تقل دمارًا. الذكاء الاصطناعي يُستخدم في تنفيذ هجمات دقيقة تستهدف شبكات الكهرباء، والمياه، والمنشآت النووية. هجوم «Stuxnet» الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني كان مجرد نموذج أولي لحروب خفية تُشنّ بالرموز البرمجية، وتمثل فيه الخوارزميات أدوات اختراق وتدمير ذات كفاءة فائقة. في هذا النوع من الصراع، لا حاجة لطائرات أو صواريخ، بل يكفي خرق رقمي مدعوم بتقنيات تعلم الآلة لشلّ دولة كاملة.
ولا يقل خطورة عن ذلك الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في منظومات الاستخبارات الحديثة، حيث تُحلل صور الأقمار الصناعية وتُفكك الاتصالات المعترضة بواسطة نماذج حسابية تتعلم أنماط الحركة وتكتشف الاستعدادات العسكرية قبل حدوثها. بات التنبؤ بالضربات أو التنقلات العسكرية قائمًا على خوارزميات تستشف النوايا من البيانات، لا على تقارير العملاء وحدها. في هذا السياق، يبدو أن الحروب الحديثة تُخاض في مزيج معقد من المعلومة والآلة، حيث يتداخل القرار البشري مع توصية الخوارزمية في لحظة حرجة قد تحدد مصير أمة.
أما على صعيد الجبهة الإعلامية، فإن الذكاء الاصطناعي أضاف بعدًا مرعبًا للحرب النفسية، حيث أصبحت تقنيات مثل «التزييف العميق» (Deepfake) سلاحًا يزرع الشك والذعر، ويُستخدم لتلفيق خطابات أو صور لقادة عسكريين بهدف تشويه السمعة أو بث البلبلة. التلاعب بالمحتوى أصبح يتم بسرعة ودقة مرعبتين، ما يجعل الجمهور عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والخداع. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن الذكاء الاصطناعي بات سلاح تضليل لا يقل فتكًا عن الطائرات المقاتلة أو الصواريخ الذكية، خاصة عندما يُستخدم لزعزعة الثقة أو تفتيت التماسك الشعبي.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن توازن القوى لم يعد يُقاس فقط بعدد الرؤوس النووية، بل بمدى تطور البنية التكنولوجية للدولة. إسرائيل تواصل تصدّر السباق في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية، من أنظمة الدفاع الجوي إلى قدرات التجسس الإلكتروني، في حين تسعى إيران إلى سدّ هذه الفجوة بتكثيف استثماراتها في البحوث التقنية وتوطين المعرفة الرقمية. السؤال الذي يُطرح بإلحاح هو: هل يمكن أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة ردع استراتيجية توازي فعالية السلاح النووي؟ وإذا كانت الحروب القادمة تُحسم في ميادين البيانات والرموز، فهل ستشهد البشرية حربًا لا دمار فيها بالمعنى التقليدي، لكنها أكثر فتكًا بفضل القدرة غير المرئية على التعطيل والتلاعب والسيطرة؟ 

مواضيع قد تهمك