الأخبار

القس سامر عازر يكتب : فخر بكوننا موطنًا لموقع عمّاد السيد المسيح، وبلدنا المسلم موطنًا لمجتمع مسيحي تاريخي

القس سامر عازر يكتب : فخر بكوننا موطنًا لموقع عمّاد السيد المسيح، وبلدنا المسلم موطنًا لمجتمع مسيحي تاريخي
أخبارنا :  

القس سامر عازر

حين وقف جلالة الملك عبدالله الثاني في قلب البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ يوم الثلاثاء ٢٠٢٥/٦/١٧، لم يكن فقط يُقدّم خطابًا سياسيًا، بل شهادة حيّة عن الأردن، وطن الرسالة والكرامة، حين قال: "نفخر بكوننا موطنًا لموقع عمّاد السيد المسيح، وبلدنا المسلم موطن لمجتمع مسيحي تاريخي... ". هذه الكلمات تختصر هوية وطننا، وتنبض الحقيقة التي نحياها يوميًا في هذا الشرق المتعب، بأنَّ أرضنا المقدسة ما زالت تحمل في عمقها جذور اللقاء، لا الصراع، ورسالة الرجاء، لا اليأس.

نحن، أبناء هذا البلد المبارك، نعرف أنَّ مياه نهر الأردن لم تكن مجرد مجرى مائي، بل حبلًا سريًا يربط الأرض بالسماء، حين جاء السيد المسيح ليعتمد من يوحنا المعمدان في بيت عنيا عبر الأردن، فتقدّس الماء، وانفتحت السماوات، وامتلأت الأرض من مجد الرب. هذا الموقع، الذي نعتز به كأردنيين، ليس مجرد شاهد على حدث تاريخي، بل هو مرآة تعكس هوية بلدنا الروحية، ومكانة الأردن الدينية، وحالة الوئام الديني والعيش المشترك.

ونغمة هذا الخطاب تتجلّى بأنَّ التعددية بأبعادها هي ثروة وغنى، ففي أردنّنا نُصغي لصوت الأذان ونرنّم للميلاد في آنٍ واحد. نحتفل معًا بالأعياد، ونحزن معًا حين يُصاب الجسد الوطني، وننهض معًا لأننا نؤمن أننا عائلة واحدة في وطن واحد، لا تفصلنا المذاهب ولا تقسمنا الأديان، بل يجمعنا حبّ الله، ووحدة المصير، وكرامة الإنسان.

والمسيحيون في الأردن، كما يؤكد الملك دومًا، ليسوا ضيوفًا، ولا أقليّة، ولا هامشًا. إنهم جزء أصيل من نسيج هذه الأرض، شركاء في بناء الدولة، وفي حفظ القيم، وفي الدفاع عن العدالة. إنهم شهود للعيش المشترك، ومواطنون يعملون في الخدمة العامة، والتربية، والرعاية الصحية، والدفاع عن الوطن، حاملين مع إخوتهم المسلمين أمانة الوطن، وراية المحبة.

وفي عمق هذا الخطاب نجد الدعوة لمواجهة خطاب الكراهية والتطرّف الذي يفتك بالعالم، فالصراع ليس بين المسلمين والمسيحيين، بل صراعا بين قوى الإعتدال والتطرف، وبين من يقيمون ورنا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من جانب وبين من يتبعون ازدواجية المعايير من جانب آخر. وها نحن في الأردن نؤكد، بالفعل لا بالقول فقط، أن التلاقي بين الأديان ممكن على قاعدة المحبة والقيم المشتركة، وأن الاحترام المتبادل ليس شعارات، بل ممارسة نعيشها ونورثها لأبنائنا.

وقد حمل جلالته، كما العادة، أمانة القدس، حين قال: "إننا نتحمل كهاشميين مسؤولية حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس." إنها وصاية لا تُمارَس من منطلق السياسة فحسب، بل من منطلق الإيمان، والتاريخ، والعدالة. والقدس، بكل قدسيتها، تبقى عنوانًا للسلام، وأمانة في أعناقنا، نحن المسيحيين والمسلمين معًا، لأنّها بيت صلاة لجميع الأمم.

إننا، كمسيحيين في هذا الوطن، نعتزّ بما قاله جلالته، ونشهد له، لا فقط لأنّه ملك، بل لأنه صوت من يحمل الرسالة، ويحفظ الوصيّة، ويفتح نوافذ الرجاء في عالم مضطرب. ونحن بدورنا، نحمل هذه المسؤولية أيضًا، أن نكون شهودًا للرجاء، وخدّامًا للوحدة، ورسلاً للمحبة، حتّى يبقى الأردن منارةً وصوتًا للحكمة في زمن الصخب.

ليكن هذا البلد المبارك، بأهله الطيّبين، وقيادته الهاشمية، وأصالة رسالته الإنسانية، موطنًا دائمًا للسلام، وواحة حقيقية للعيش الكريم. وليبقَ نهر الأردن جاريًا في أرواحنا، لنشهد لقيم المحبة والعدالة والسلام.

مواضيع قد تهمك