احمد الفرحان ابو هزيم : الأردن بين عهدين - دولة تعاظمت رغم التحديات
كثيرون منا بل معظمنا يحتفلون بالمناسبات الوطنية المجيدة كعيد الجلوس الملكي، والثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، ويجدونها فرصة لممارسة طقوس الفرح واستشعار الفخر والكبرياء واستحضار روح الإنجاز العظيم، ولكن القليلين منا الذين ربما يتساءلون » وماذا حققنا؟ » وما هي الإنجازات؟ وهل انعكست على بنية الوطن ورفاه الإنسان؟» «هل احتفالاتنا مستحقة ام مجرد ديكور ومظهر نرتديه كلما جاءت المناسبة؟؟»
هذه اسئلة كبيرة وتستحق الإجابة، ومن المحال ان يجاب عليها تفصيلا في مقال في صحيفة كالرأي تتوخى الدقة والمصداقية فيما يكتب. ولكنني سأحاول إبراز الإنجازات العظيمة برسم صورة مقارنة للأردن الدولة من عهد الملك عبدالله الاول المؤسس الذي مضى وبين عهد الملك عبد الله الثاني الحاضر المزدهر والممتد بإذن الله، وهذه الصورة المقارنة تذكرنا بالإنجاز الذي يبدو كالإعجاز، وتوضح لأبنائنا ولجيل الشباب ان الأردن الحضاري والقوي لم يبدأ من حيث يشاهدون اليوم،
فقد تأسست الدولة الأردنية عام ١٩٢١م وخرجت من رحم الحرب العالمية الاولى ورحم الثورة العربية الكبرى في مناخ دولي مرهق وإقليمي مضطرب، وفي بيئة جغرافية محدودة الموارد تعتمد على الزراعات البدائية والرعي والمساعدات البريطانية، وافتقرت في بداياتها إلى الخدمات والمقومات الأساسية، فالطرق ترابية بدائية والكهرباء مفقودة والشوارع تنار بمصابيح نفطية ان وجدت، وخدمات صحية شبه معدومة، ومدارس معدودة على أصابع اليد الواحدة فالرسائل تضطرك للبحث عمّن يقرأها او يكتبها لك. اما المجتمع فعشائري قبلي، وعدد السكان لا يتجاوز ربع المليون نسمة يعيشون في بيئة معظمها صحراوية ريفية وفي عدد من المدن بسيطة البناء والمساحة بما فيها حواضر المدن كالسلط واربد وعجلون وجرش وغيرها.
وكان على جلالة الملك عبد الله الاول ان ينتقل بالدولة هذه إلى الحضارة والعصرية، فبدأ بتشكيل الهيكل السياسي للدولة، وتأسيس ادوات الدولة وأذرعها حسب اولوية البناء والتطوير، فتشكلت اول وزارة تحت مسمى مجلس المستشارين، ثم ظهر مسمى رئيس وزراء يتبعه مستشارون عام ١٩٢٨، قبل ان يظهر مسمى وزير في عام ١٩٣١ لأحد المستشارين، ثم اخيرا ظهرت حكومة وزارات عام ١٩٣٩.
وأخذ جلالته بتشجيع التعليم وتأسيس المدارس وفتح الطرق رغم محدودية الموارد وشحّها وتضييق المعونات الذي كانت تمارسه الدولة الداعمة بريطانيا في حينه. ثم شقّ جلالته طريق البلاد نحو الاستقلال حتى حققه عام ١٩٤٦، وكان له كل الفضل في منع العدو الاسرائيلي من احتلال القدس الشرقية والاحتفاظ بالضفة الغربية ثم الاتحاد معها عام ١٩٤٨ قبل أن يلاقي ربه شهيدا عام ١٩٥١.
اليوم، وفي عهد الملك عبدالله الثاني المعزّز، وصل عدد سكان الأردن الى ما يزيد عن (١١) احد عشر مليون نسمة مما زاد من ثقله الدولي سياسيا واجتماعيا وعسكريا، وانتقل المجتمع الأردني من البداوة والريفية ومن المدن البسيطة التي شكلت ١٥٪ من المجتمع الى معيشة حضارية مزدهرة مرفهة في مدن عصرية لما يزيد عن ٩٠٪ من المجتمع، فلا يكاد يخلو بيت في جميع أنحاء الأردن من خدمات الكهرباء والماء النظيف بعد أن كانت هذه الخدمات معدومة في بدايات تاسيس المملكة، اما عمّان العاصمة فبعد أن كانت آثار لمدينة عظيمة تغفو على سيل عمّان، اصبحت عمان بفضل الله واحدة من اجمل العواصم وأكثرها حياة وحيوية، وقفز معدل الدخل الشهري في الأردن قفزة هائلة من دخل زراعي بدائي يقدر بحوالي (٣) ثلاثة دنانير شهريا الى دخل شهري يعتمد على الخدمات والتجارة والسياحة والصناعة والزراعة المتقدمة بما يزيد عن (١٥٨٥) دينارا شهريا في المتوسط حاليا.
اما المواصلات فاصبحت شبكتها تغطي كامل المملكة بطرق حديثة معبدة بعد ان كانت ترابية بدائية، وشبكات الاتصال السلكي واللاسلكي تربط المواطنين مع بعضهم بالاردن وبالعالم الخارجي اجمع، اما النقل الجوي والمطارات والطائرات فأصبح الأردني يفطر في عمّان ويتغدّى في شيكاغو او نيويورك،
اما التعليم فبعد ان كانت البلاد تسودها الأميّة تعتمد على الكتاتيب ومدارس لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وبلا جامعات، اصبح في الأردن ما يزيد عن (٧٠٠٠) مدرسة و(٣٠) جامعة وتراجعت الأمية الى ما دون ٥٪، ولم يكتف الأردن بالتفوق على معظم الدول العربية الشقيقة في التعليم بل ساعد هذه الدول في نهضتها التعليمية بأمانة واقتدار. وكذلك الطب والخدمات الصحية فالأردن الذي بدأ حياته السياسية وهو يفتقر الى المستشفيات الوطنية وبعدد محدود لا يكاد يذكر من الاطباء، حقق إعجازاً وإنجازاً طبيين واصبح واحة طبية في الاقليم، بل وتفوق على المعدل العالمي لنسبة الأطباء إلى السكان بنسبة ٢.٠٣ اطباء لكل ١٠٠٠ مواطن) مقابل معدل عالمي (١.٩٥ لكل ١٠٠٠ مواطن) وفق بيانات IndexMundi المستندة إلى مكتب الاستخبارات الأمريكي عام ٢٠١٧ .
اما جيش البلاد الذي قدم مع الملك المؤسس وقوامه حوالي (١٥٠) فردا ما بين راجل وفارس وهجّان، فقد اصبح اليوم احد افضل جيوش العالم والإقليم تدريبا وتنظيما والتزاما بالواجب، وقد تراكم وتزايد حتى اصبح اليوم يعد بعشرات الالوف من مختلف الصنوف البرية والجوية والبحرية، والفرق المجحفلة بالدبابات والمجنزرات والمدافع وبأسلحة الإسناد والخدمات المختلفة، ومسندا كذلك بالطائرات المقاتلة الحديثة وطائرات النقل والإسناد والخدمات، اما الداخل الاردني فمحمي ايضا بعشرات الآلاف الأخرى من صنوف الأمن، وأصبح الجيش والأجهزة الامنية الآن مفخرة يعتز بها كل اردني وكل عربي اصيل.
قصة نجاح الاردن في الوصول إلى ما وصل إليه من تقدم في كل ميادين الحضارة تسجل للأردنيين وللإدارات المتعاقبة على السلطة في الأردن وللقيادة الهاشمية التي تسعى ليل نهار لتوفير موارد النهضة واستغلال الكفاءات لتعويض نقص الموارد، وتسعى ليل نهار لتهيئة المناخ والبيئة المواتية لتحقيق الرؤى، وإذ نهنئ جلالة الملك عبدالله الثاني بعيد جلوسه على العرش فاننا نهنؤه ايضا بشعبه المعطاء القادر، ونهنئ الوطن والشعب بملكه الساهر على رفاهه ونمائه. ونتمنى على الله ان يبقي سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين وان يوفقهم في خدمة الأردن والأردنيين، وان تبقى راية الأردن عالية خفاقة بإذن الله .