ماذا يقول خبراء تربيون عن حادثة إحراق الطالب ؟

أجمع الخبير التربوي والاجتماعي الدكتور ذوقان عبيدات، وأستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، على أن حادثة حرق الطالب داخل إحدى المدارس تكشف عن أزمة عميقة تتجاوز السلوك الفردي إلى خلل في المنظومة التربوية والاجتماعية. وأوضحا أن تفشي العنف بين الطلبة يعكس ضعف دور الأسرة في التوجيه، وغياب برامج مدرسية فعالة لترسيخ ثقافة الحوار والتسامح، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة البيئة التعليمية، بحيث تصبح المدرسة فضاءً آمنًا يعزز قيم الاحترام والتعاون، ويُوفر آليات تدخل مبكر لرصد النزاعات قبل تفاقمها. وفي هذا الصدد، قال عبيدات إن الحادثة تسلط الضوء على تعقيدات المشهد التربوي، حيث تتشابك الجوانب السلوكية، والقيمية، والاجتماعية، لتكشف عن تحديات متجذرة لا يمكن اختزالها في واقعة فردية، مضيفًا أن الحادثة تعد مؤشرًا صارخًا على أزمة تربوية تتجاوز حدود المدرسة، لتلامس عمق المشكلات الثقافية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا. واستشهد بقول والدة الطالب المعتدى عليه: "أرسلت ابني للتعلم، والمدرسة يجب أن تكون مكانًا آمنًا"، مضيفًا أن هذه العبارة تكثّف جوهر المعضلة؛ فالمدرسة منظومة قيمية يُفترض أن ترسّخ مبادئ الاحترام والأمان، وعندما تفقد المدرسة أحد هذين الركنين، تتحول إلى بيئة طاردة، غير قادرة على تحقيق رسالتها الجوهرية، فحق الطالب في الشعور بالأمان داخل مدرسته لا يقل أهمية عن حقه في التعلم. ونوّه عبيدات في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الحادثة تعبر عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة العلاقات الطلابية، متسائلًا ما إذا كانت تقوم على التعاون والتآزر، أم أنها تنزلق نحو التنمر والعدوانية؟. وأشار إلى أن تصاعد العنف بين الطلبة يكشف عن هشاشة الدور التربوي داخل المدارس، وغياب آليات فاعلة لرصد النزاعات قبل تفاقمها، فتبرير الحادثة باعتبارها خلافًا شخصيًا ينطوي على اختزال مُخل، إذ لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع الذي تشهده العديد من المدارس. ولفت عبيدات الانتباه إلى أن اللجوء للعنف، وخصوصًا باستخدام وسائل خطيرة كالحرق، لا يجب النظر إليه على أنه مجرد تصعيد سلوكي، ذلك أنه يعكس خللًا أعمق في منظومة التربية والتنشئة، فهذه الأفعال تذكّرنا بأجواء النزاعات والصراعات، لا بالمؤسسات التعليمية التي يُفترض أن تكون فضاءات للنمو المعرفي والوجداني، متابعًا أن تطبيع مظاهر العنف داخل المدارس هو إنذار بضرورة مراجعة جذرية للسياسات التربوية وآليات الضبط السلوكي، فالتهاون في مثل هذه الحالات يُفرز جيلًا يفتقد لمفاهيم الحلول السلمية والتعايش. وذكر أن العلاقة بين المعلمين والطلبة تلعب دورًا جوهريًا في بناء بيئة تعليمية مستقرة، حيث يُفترض أن يكون المعلمون رُسل تربية قبل أن يكونوا نُقلاء معرفة، إلا أن هذه الحادثة تفتح باب التساؤلات حول مدى قدرة الكادر التدريسي والإدارات المدرسية على استشعار التوترات، والتدخل الفاعل قبل تحولها إلى مآسٍ، فالمعلمون يعدون جزءًا من منظومة حماية حقيقية تُعزز الانتماء والثقة، وتحدّ من تغوّل النزعات العدوانية. وأشار عبيدات إلى أنه لا يمكن إغفال الأبعاد الثقافية التي تسمح لمثل هذه الحوادث بالحدوث والتكرار، فتفشي ثقافة الصمت، حيث يرى الأفراد الأخطاء لكنهم يُحجمون عن التدخل، أسهم في تكريس مناخ من الخوف والتجاهل، مع ما يضاف إلى ذلك من ثقافة التبرير، التي تُسوّغ السلوكيات العنيفة باعتبارها "مجرد مشكلات مراهقة"، وكأنها أمر طبيعي لا يستدعي وقفة جادة، ومن أخطر هذه الممارسات ثقافة المجاملة والتزييف، حيث يتم رسم صورة وردية عن الواقع بهدف تجميل المشهد أمام أصحاب القرار، دون مواجهة الحقائق المؤلمة التي تتطلب إصلاحًا جذريًا. ولفت الانتباه إلى أن معالجة هذه الظواهر تتطلب رؤية تتجاوز الحلول الآنية وردود الفعل المحدودة، فبدلًا من التعامل مع هذه الحادثة باعتبارها استثناءً، ينبغي الاعتراف بها كعرض لمرض أعمق يستوجب خطة إصلاحية شاملة، مضيفًا أن ذلك يبدأ بتعزيز الدور التوجيهي للمدارس، وتفعيل برامج مستدامة لرفع الوعي ضد العنف، وضمان وجود آليات واضحة للتدخل المبكر قبل وقوع الكارثة. واستطرد قائلًا إن التحدي الحقيقي يكمن في منع تكرار هذه المآسي مستقبلًا لا في معاقبة الجناة، فالصمت لم يعد خيارًا، والمجاملات لن تُصلح واقعًا يُنذر بانهيار القيم داخل المؤسسات التربوية، وقد آن الأوان لمقاربة جديدة، تعيد للمدارس جوهرها الأخلاقي والتربوي، وتضمن أن يكون التعليم رحلة نمو آمنة، لا ساحة صراع تُنتهك فيها براءة الطفولة باسم الإهمال والتجاهل. من جانبه، أوضح الخزاعي أن حادثة الاعتداء التي شهدتها إحدى المدارس اليوم تندرج ضمن إطار العنف المدرسي، وهي ظاهرة متنامية تستدعي استجابة حاسمة، من المؤسسات التعليمية، والأسرة والمجتمع بأسره، فالواقعة تشكل سلوكًا انتقاميًا خطيرًا يعكس غياب الوعي والتوجيه السليم في مرحلة عمرية حرجة. وبيّن في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المراهقة، بوصفها مرحلة انتقالية معقدة، تتطلب احتضانًا تربويًا واعيًا يرسّخ قيم الاحترام، ويحول دون انزلاق السلوكيات إلى منحى العنفـ مضيفًا أن مسؤولية الأهل هنا تتجلى في المتابعة الدقيقة لحياة أبنائهم، أكاديميًا واجتماعيًا، ورصد علاقاتهم ودوائرهم التفاعلية، جنبًا إلى جنب مع دور الإدارات المدرسية في ترسيخ بيئة تعليمية قائمة على الانضباط والتسامح. نوّه الخزاعي إلى أن ما يبعث على القلق هو استخدام مواد مشتعلة، ما يشير إلى نمط من التصعيد السلوكي الذي يستوجب مراجعة شاملة لآليات التعامل مع النزاعات بين الطلبة، متابعًا إن التصدي لمثل هذه الممارسات لا يكون بردود فعل ظرفية، وإنما عبر استراتيجيات وقائية قائمة على التوجيه والتأهيل النفسي والسلوكي، بما يضمن بيئة مدرسية آمنة ومستقرة.
ــ اخبار الاردن