محمد ابو رمان : مقاربة عربية جديدة لغزة والسلام الإقليمي

محمد ابو رمان : مقاربة عربية جديدة لغزة والسلام الإقليمي
أخبارنا :  

لا تزال الخطة المصرية- العربية تُطبخ في مراحلها النهائية، لكنها تأخذ بعين الاعتبارات المزاوجة بين الجوانب المالية والفنية والسياسية والأمنية في ملف غزة، ووفقاً لمصادر دبلوماسية عربية موثوقة فقد قام رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، بتقديم تعديل على الخطة المطروحة من قبل البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي جعلت من كلفة إعمار غزة تقدّر بما يزيد على 50 مليار دولار (ضمن تقرير سريع ومؤقت لتقييم الاحتياجات والأضرار IRDNA)، إذ طرح محمد مصطفى خطة أكثر واقعية ومنطقة لا تتجاوز 20 بليون دولار، على ثلاث مراحل، وقد ضمّنها المصريون لخطتهم في إعادة الإعمار، التي تتضمن تقسيم غزة إلى ثلاثة مناطق آمنة، والاستعانة بالبيوت المؤقتة (الكرفانات)، والخيم والعمل على بناء تصور فني لإعادة تصميم البنية التحتية في القطاع، من خلال شركات مصرية متخصصة في هذا المجال.

الخطة المصرية تتجاوز الأبعاد الفنية أو المالية واللوجستية، فهي باتت بمثابة العمود الفقري لمقاربة سياسية واستراتيجية عربية جديدة تجاه إدارة الرئيس ترامب، تنطلق من تقديم بديل لخطته في إعمار غزة وتنتقل لتقديم تصور لنظام إقليمي جديد في مواجهة محاولة بنيامين نتنياهو بناء مفاهيم أمنية جديدة لنظام إقليمي تهيمن فيه إسرائيل.

المقاربة العربية نقوم على مجموعة من البنود الرئيسية؛ الأول هو إعادة إعمار قطاع غزة على الصعيد الفني واللوجستي والمالي، والثاني وهو إصلاح السلطة الفلسطينية لمواجهة الإدعاءات الإسرائيلية بعدم أهليتها، والإصلاح يتضمن بنوداً متعددة، منها ما يتعلق بالجوانب السياسية والأمنية، والثالث هو إدارة غزة في مرحلة ما بعد الاحتلال، وهنالك تطور مهم من قبل الفلسطينيين بالاتفاق على لجنة إدارية مؤقتة معنية بالجوانب التكنوقراطية، وقد قبلت بها حماس ووافق عليها الرئيس محمود عباس بعد تردد كبير، لأنّ ذلك يعني قبول السلطة بعدم العودة إلى غزة.

الجانب الأكثر صعوبة في الخطة العربية يتمثّل بالجانب الأمني خلال مرحلة إعادة الإعمار، إذ ترفض الدول العربية المشاركة بالقوات الأمنية والدخول إلى قطاع غزة من دون وجود تصوّر واضح لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من جهة وإقامة الدولة الفلسطينية من جهةٍ أخرى، والمطلوب – كما يقول ديبلوماسيون عرب- ليس خارطة طريق لحل القضية الفلسطينية، بل إقرار القضايا المتعلقة بالحل النهائي والاعتراف بإقامة الدولة، ثم رسم خارطة طريق لتحقيق ذلك وليس العكس.

أمّا عقدة المنشار في المقاربة العربية فتتمثّل في نزع سلاح حركة حماس، فمن حيث المبدأ لن تقبل إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية ببقاء سلاح حماس في غزة، وكان واضحاً أنّ إسرائيل حريصة على ربط المرحلة الثانية بهذا الشرط والمطلب، وهنالك تماهٍ أميركي مع الموقف الإسرائيلي، بينما على الجانب الآخر فإنّ الطرف العربي يربط موضوع السلاح ووجوده بيد الفصائل الفلسطينية المختلفة، وفي مقدمتها حماس، بضرورة قيام دولة فلسطينية لها الحق في امتلاك السلاح حصرياً، بخاصة أنّ السؤال من سينزع السلاح من حركة حماس؟! الجواب: إن الطرف الوحيد المخوّل بذلك هي الدولة الفلسطينية، وهي الحلقة المفقودة في السياسات الأميركية المتماهية مع خط بنيامين نتنياهو.

يأمل العرب بأن تضع هذه المقاربة مساراً جديداً في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وتقديم خيارات استراتيجية بديلة بل يمكن أن تقنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحقيق جملة من المكاسب وربما يحظى بجائزة نوبل للسلام معها في نهاية اليوم.

هي مقاربة متفائلة كثيراً بلا شك، لكنها تمثّل محاولة عربية جديدة لتقديم موقف مشترك وخيارات استراتيجية بديلة، إلاّ أنّ التحدي الكبير يكمن بالتفاصيل، والشيطان يكمن في التفاصيل، فما هي الدولة الفلسطينية الممكنة في ضوء مثل هذا الواقع، ومن باب التذكير فإنّ ما طُرح سابقاً من قبل دونالد ترامب نفسه فيما سمي صفقة القرن مجحف تماماً بالحقوق الفلسطينية؛ فهل يوجد فلسطيني أي فلسطيني يستطيع أن يقبل بدولة بـ30% من أراضي الضفة ومن دون القدس الشرقية ومن دون الحدود؟! وكيف يمكن أن يتم إقناع حركة حماس وحتى جمهورها بذلك فضلاً عن غالبية الفلسطينيين اللاجئين؟! يجيب سياسيون عرب على ذلك بأنّه أفضل من عدم القيام بعمل شيء، وانتظار سيناريو التهجير من قبل ترامب ونتنياهو، على الأقل – وفق هذه الرؤية- فإنّ العرب يركلون الكرة في ملعب نتنياهو وترامب من حيث المبدأ ويقدمون تصوراً استراتيجياً لمفهوم السلام المنشود، ويكسبون خطوات ووقتاً للأمام!

مواضيع قد تهمك