عبد الهادي راجي المجالي : مشكلتنا

.. مشكلتنا ليست مع الذين يعرفون، مشكلتنا فيمن يدّعون المعرفة..
منذ أن اقتحمت وسائل التواصل الاجتماعي المشهد، وأنا أتابع تلوثاً في الرأي، وتلوثاً في الفكرة، وتلوثاً آخر في الطرح..
مشكلتنا في الذين يدّعون المعرفة، في الذين يقدمون وصفي التل بحسب روايتهم هم ويحتكرونه لهم، مع أنهم لم يقرأوا وصفي ولم يعاصروا زمنه ولم يستمعوا للناس الذين عاصروه، وهؤلاء طغت روايتهم على المشهد، وشكلوا التاريخ بحسب أهوائهم وشكلوا المرحلة بحسب نظرتهم.
مشكلتنا أيضاً مع الذين يحتكرون الوطنية الأردنية، وينظرون لأنفسهم على أنهم الأوفياء للوطن في حين أن الآخر مجرد عبء، ينظرون لتراب رم أنه إرث لهم والآخر كان مجرد عابر، ويحتكرون تاريخ الكرك.. وتاريخ العقال وتاريخ الشماغ، ويحتكرون أشجار الزيتون في جرش.. والأردن لهم وحدهم يفصل بحسب مقاساتهم ونظرياتهم.
مشكلتنا مع الذين ينقلبون من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ينسون أن اليوتيوب ما زال يخزن خطبهم، ويختبئون خلف البلد لمعالجة عورات انقلاباتهم، تارة يشخصون نبض الشارع، وتارة أخرى يعلموننا أسس الولاء، وتارة أخرى يلقنوننا درساً في كيفية خطاب الآخر، وفي بعض الأحيان يحاولون تعليمنا أساسيات الانتماء للبلد، هم الذين يعرفون معنى التراب وكيفية انشطار الذرة، ويفهمون معنى العلاقات الدولية، وماذا تناول ترامب على العشاء، وكيف ستنهار الصين.. وما هو القادم، ونحن لا نعرف شيئا.
مشكلتنا في الذين تلقوا تمويلاً، من كل السفارات، وأقاموا مؤسسات تبحث في الطفل وحقوق المرأة والسجون، ونشروا دراسات مزيفة، واعتلوا منصات الإعلام باسم الحرية وقبضوا من كل الجهات، وينظرون لنا على أننا مجرد جهلة نحتاج أن نتعلم القيم الأوروبية والمبادئ الأميركية، والثقافة الأنجلوساكسونية.. ينظرون لنا أننا مجرد قبيلة تقتل قبيلة، ومجرد فلول في الصحراء تبحث عن العطايا..
مشكلتنا، في الذي يهرعون لتلبية الدعوات المشبوهة من الخارج، وهناك ينثرون حجم الظلم الوطني، ويقدمون الأردن على أنه زنزانة ومعتقل، ويقدمون أنفسهم على أنهم الذين ظلموا، وكان مقصدهم إخراج الوطن من ظلماته، يقدمون شتماً وطنياً على كل مائدة، ويقدمون تظلماً ولوعة، ويبكون على بوابات المطارات الأوروبية، لأنهم سيتركون فضاءات الحرية ويعودون للتهميش والإقصاء.. وبعد أن يأتوا يكتبوا عن تجربتهم بكل وقاحة ودناءة.
مشكلتنا في الذين يدعون المعرفة، ولا يعرفون شيئاً.. ولكن للأسف تقدموا في كل المنابر..
حمى الله البلد، وعاش الملك.
ــ الراي
Abdelhadi18@yahoo.com