الدكتور اخليف الطراونة يشارك كمتحدث رئيسي في المؤتمر الدولي للابتكار في التقنيات الناشئة
شارك الاستاذ الدكتور اخليف الطراونة كمتحدث رئيسي في المؤتمر الدولي للابتكار في التقنيات الناشئة والذي عقد يوم الاربعاء في جامعة الاسراء ، وتاليا كلمته في المؤتمر :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الامين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى كافة الرسل والانبياء والمرسلين
أصحاب المعالي والسعادة، الباحثون والعلماء الأفاضل، الحضور الكرام.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،
أُعَبِّرُ عَنْ شُكْرِي الجَزِيلِ لِمُنَظِّمِي "المُؤْتَمَرِ الدَّوْلِيِّ لِلِابْتِكَارِ فِي التَّقْنِيَّاتِ النَّاشِئَةِ" عَلَى دَعْوَتِهِم الكَرِيمَةِ، وَهَذِهِ الفُرْصَةِ لِمُشَارَكَةِ الرُّؤَى وَالأَفْكَارِ فِي هَذَا المِنْبَرِ العَالَمِيِّ.
نَحْنُ اليَوْمَ نَعِيشُ فِي عَصْرٍ تُعِيدُ فِيهِ التَّقْنِيَّاتُ النَّاشِئَةُ، وَعَلَى رَأْسِهَا الذَّكَاءُ الاِصْطِنَاعِيُّ، تَشْكِيلَ جَمِيعِ القِطَاعَاتِ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَعَدُّدِ المَجَالَاتِ، يَبْقَى التَّعْلِيمُ وَاحِدًا مِنْ أَكْثَرِ القِطَاعَاتِ تَأَثُّرًا بِهَذِهِ التَّغْيِيرَاتِ.
وفقًا للتقديرات الحديثة، فإنَّ الاقتصاد الرقمي العالمي تجاوز حاجز الـ15 تريليون دولار في عام 2023، مع توقُّعات بأن يتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة. كما تُشِيرُ الإِحْصَائِيَّاتُ الصَّادِرَةُ عَنِ المُنْتَدَى الاِقْتِصَادِيِّ العَالَمِيِّ عَامَ 2023 أَنَّ 65% مِنَ الأَطْفَالِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ المَرَاحِلَ الدِّرَاسِيَّةَ الأُولَى اليَوْمَ سَيَعْمَلُونَ فِي وَظَائِفَ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ حَالِيًّا. وَهَذِهِ الوَاقِعِيَّةُ تَضَعُ عَلَى عَاتِقِنَا مَسْؤُولِيَّةً جَسِيمَةً لِتَطْوِيرِ أَنْمِطِ التَّعْلِيمِ لِتَوَاكِبَ مُتَطَلَّبَاتِ المُسْتَقْبَلِ.
وقَدْ بَلَغَتِ السُّوقُ العَالَمِيَّةُ لِتَطْبِيقَاتِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ فِي التَّعْلِيمِ 3.68 مِلْيَارَ دُولَارٍ فِي 2022، وَمِنَ المُتَوَقَّعِ أَنْ تَتَخَطَّى 20 مِلْيَارَ دُولَارٍ بِحُلُولِ 2030، حَسَبَ تَقَارِيرِ McKinsey.
في هذا السياق، يصبح الحديث عن الذكاء الاصطناعي والتحوُّل الرقمي حديثًا عن الحاضر والمستقبل معًا. هذه التقنيات ليست أدواتٍ جامدة، بل هي قوى مُحركة تُغير أنماط حياتنا، من أسلوب عملنا إلى طرق تعليمنا وبحثنا العلمي. على سبيل المثال، في مجال الرعاية الصحية، أثبتت الأنظمة الذكية قدرتها على تشخيص الأمراض بنسبة دقة تجاوزت الـ90%، مما يقلل التكاليف ويُسرِّع العلاج. وفي مجال التعليم، أصبحت المنصات التعليمية المخصصة تقدم محتوى يتناسب مع احتياجات كل طالب، مما يعيد تعريف مفهوم التعلم الفردي.
لكن، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، تظل هناك تحديات حقيقية. الدراسات تظهر أن نحو 50% من خريجي الجامعات يفتقرون إلى المهارات الرقمية التي تتطلبها أسواق العمل الحديثة. هذه الفجوة في المهارات تجعل من الضروري إعادة التفكير في مناهجنا التعليمية، بحيث تُدمج مفاهيم مثل الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، وأخلاقيات التكنولوجيا بشكل مباشر في العملية التعليمية.
فِي هَذِهِ الوَرَقَةِ، أسْتَعْرِضُ امامكم كَيْفِيَّةَ إِحْدَاثِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ وَتَقْنِيَّاتِ الشَّرِكَاتِ النَّاشِئَةِ لِتَغْيِيرَاتٍ جَذْرِيَّةٍ فِي القِطَاعِ التَّعْلِيمِيِّ، وَسَأُرَكِّزُ عَلَى التَّحَدِّيَاتِ، والفُرَصِ، وَرُؤْيَةِ المُسْتَقْبَلِ.
أولاً: مجال التَّعَلُّمُ المُخَصَّصُ وَتَفْعِيلُ دَوْرِ الطَّالِبِ
يَعْمَلُ الذَّكَاءُ الاِصْطِنَاعِيُّ عَلَى تَحْلِيلِ بَيَانَاتِ الطُّلَّابِ لِتَقْدِيمِ تَجَارِبَ تَعَلُّمٍ فَرْدِيَّةٍ. حيث أصبحت المنصات التعليمية المخصصة تقدم محتوى يتناسب مع احتياجات كل طالب، مما يعيد تعريف مفهوم التعلم الفردي. وأعطي هنا مثال تطبيقي: مَنْصَّةُ Knewton الَّتِي تُحَلِّلُ أَدَاءَ الطُّلَّابِ وَتُقَدِّمُ خُطَطًا تَعْلِيمِيَّةً تُحَسِّنُ نَتَائِجَهُم. فِي تَجَارِبٍ أَجْرِيَتْ فِي المَدَارِسِ الأَمْرِيكِيَّةِ، زَادَتْ نِسَبُ الإِجَادَةِ فِي المَوَادِّ الدِّرَاسِيَّةِ بِنِسْبَةِ 30%.
ثانياً: مجال دَعْمُ المُعَلِّمِينَ وَتَحْسِينُ كَفَاءَتِهِمْ
تُسَاعِدُ أَدَوَاتُ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ فِي تَقْلِيلِ الأَعْمَالِ الرُّوتِينِيَّةِ، مِثْلَ تَصْحِيحِ الاِخْتِبَارَاتِ وَتَحْلِيلِ النَّتَائِجِ.
أَظْهَرَتْ نتائج دِرَاسَةٌ أُجْرِيَتْ فِي المَمْلَكَةِ المُتَّحِدَةِ (2021) أَنَّ تَطْبِيقَاتٍ مِثْلَ Gradescope وَفَّرَتْ 20% مِنْ وَقْتِ المُعَلِّمِينَ، مِمَّا أَتَاحَ لَهُم التَّرْكِيزَ عَلَى جَوَانِبَ إِبْدَاعِيَّةٍ.
ثالثاً: تَوْسِيعُ نِطَاقِ التَّعْلِيمِ فِي المَنَاطِقِ النَّائِيَةِ و بَعْضِ البُلْدَانِ النَّامِيَةِ
يُمَكِّنُ الذَّكَاءُ الاِصْطِنَاعِيُّ وَتَقْنِيَاتُ التَّعَلُّمِ الاِفْتِرَاضِيِّ مِنْ تَقْدِيمِ تَعْلِيمٍ جَوْدَتُهُ مُمْتَازَةٌ. ومثال على ذلك مَشْرُوعُ Onebillion فِي أَفْرِيقْيَا، الَّذِي قَدَّمَ أَدَوَاتٍ تَعْلِيمِيَّةً لِلأَطْفَالِ وَحَسَّنَ مَهَارَاتِ القِرَاءَةِ بِنِسْبَةِ 40% فِي غُضُونِ عَامَيْنِ. وتَعْمَلُ الشَّرِكَاتُ النَّاشِئَةُ كَمُحَرِّكَاتٍ لِلِابْتِكَارِ. فَقَدْ بَلَغَتِ الاِسْتِثْمَارَاتُ فِي مَجَالِ تَقْنِيَاتِ التَّعْلِيمِ 16.1 مِلْيَارَ دُولَارٍ عَامَ 2023، مُقَارَنَةً بِـ 4.5 مِلْيَارَاتٍ عَامَ 2015.
ومن النَمَاذِجُ على شَرِكَاتٍ نَاجِحَة شركة Coursera وَ شركة Duolingo. الأُولَى تُقَدِّمُ شَهَادَاتٍ لِأَكْثَرَ مِنْ 120 مِلْيُونَ مُتَعَلِّمٍ، وَالثَّانِيَةُ تُطَوِّرُ مَهَارَاتِ اللُّغَةِ لِمَلاَيِينِ المُسْتَخْدِمِينَ.
على الرغم من هذه الإنجازات إِلَّا أَنَّ التَّطْبِيقَاتِ التَّعْلِيمِيَّةَ تَوَاجِهُ عَدَدًا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ. وتظهر الدراسات أن نحو 50% من خريجي الجامعات يفتقرون إلى المهارات الرقمية التي تتطلبها أسواق العمل الحديثة، مِمَّا يَتَطَلَّبُ إِيجَادَ حُلُولٍ مُبْتَكَرَةٍ.
وتتمثل التحديات التي تواجهها التقنيات التعليمية الرقمية في:
1. العَدَالَةُ فِي الوُصُولِ إِلَى التِّقْنِيَاتِ
لَا يَزَالُ التَّبَايُنُ فِي الوُصُولِ إِلَى البِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الرَّقْمِيَّةِ وَاضِحًا. حَسَبَ تَقْرِيرِ الاتِّحَادِ الدُّوَلِيِّ لِلاتِّصَالَاتِ (2022)، يُقَدَّرُ أَنَّ 2.7 مِلْيَارِ شَخْصٍ حَوْلَ العَالَمِ لَا يَمْلِكُونَ وُصُولًا إِلَى الإِنْتَرْنِتِ، مِمَّا يُشَكِّلُ عَائِقًا أَمَامَ الوُصُولِ إِلَى الأَدَوَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ الرَّقْمِيَّةِ، ومثال على ذلك، التعليم عن بُعد، الذي أصبح ضرورة لا رفاهية بعد جائحة كوفيد-19، يعتمد على توفر منصات رقمية قوية وشبكات اتصال متقدمة. لذلك، يتطلب التحوُّل الرقمي استثمارات جادة في تحسين هذه البنى التحتية لضمان عدالة الوصول للجميع.
2. التَّمْوِيلُ وَتَوْفِيرُ المَوَارِدِ
تُعَانِي الشَّرِكَاتُ النَّاشِئَةُ، خَاصَّةً فِي البُلْدَانِ النَّامِيَةِ، مِنْ صُعُوبَةِ الحُصُولِ عَلَى تَمْوِيلٍ كَافٍ. تُشِيرُ الإِحْصَائِيَّاتُ إِلَى أَنَّ نِسْبَةَ الشَّرِكَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ النَّاشِئَةِ الَّتِي تَحْصُلُ عَلَى الدَّعْمِ التَّمْوِيلِيِّ تَقِلُّ عَنْ 10% مِنَ الشَّرِكَاتِ النَّاشِئَةِ فِي قَارَّةِ أَفْرِيقْيَا. وفي هذا الجانب يعد التعاون مع القطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التحوُّل الرقمي. ومثال على ذلك، الشراكات التي تجمع بين "MIT” و”Google” تُظهر كيف يمكن للجامعات أن تستفيد من الموارد التقنية والخبرات العملية لتطوير التعليم وتعزيز الابتكار.
3. أَخْلَاقِيَّاتُ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ
في ظل هذا التحول، لا يمكن تجاهل البُعد الأخلاقي، حيث تُثِيرُ تَطْبِيقَاتُ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ تَسَاؤُلَاتٍ حَوْلَ خُصُوصِيَّةِ البَيَانَاتِ وَعَدَالَةِ التَّوْزِيعِ والشفافية. هنا، يأتي دور الجامعات ليس فقط لتدريس التكنولوجيا، بل لقيادة النقاش حول أخلاقياتها، وضمان استخدامها لخدمة الإنسانية لا للإضرار بها.
ولِضَمَانِ الاِسْتِفَادَةِ القُصْوَى مِنَ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ، يَجِبُ تَبَنِّي رُؤًى مُسْتَقْبَلِيَّةٍ تَعْتَمِدُ عَلَى مَحَاوِرَ رَئِيسِيَّةٍ:
أ. تَعْزِيزُ المَهَارَاتِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ
فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَاتِ السَّرِيعَةِ فِي سُوقِ العَمَلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيمُ مُرَكِّزًا عَلَى مَهَارَاتٍ قَابِلَةٍ لِلتَّطْبِيقِ، مِثْلَ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ وَحَلِّ المُشْكِلَاتِ. تَقْرِيرُ المُنْتَدَى الاِقْتِصَادِيِّ العَالَمِيِّ (2020) يَذْكُرُ أَنَّ تِقْنِيَاتِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ سَتَتَسَبَّبُ فِي اخْتِفَاءِ 85 مِلْيُونَ وَظِيفَةٍ، فِي الوَقْتِ الَّذِي سَتُوَلِّدُ فِيهِ 97 مِلْيُونَ وَظِيفَةٍ جَدِيدَةٍ.
ب. تَعَاوُنُ الإِنْسَانِ وَالآلَةِ
سَوْفَ يَكُونُ الذَّكَاءُ الاِصْطِنَاعِيُّ أَدَاةً لِدَعْمِ المُعَلِّمِينَ بَدَلًا مِنْ إِحْلَالِهِم. نَمَاذِجُ التَّوْجِيهِ الذَّكِيِّ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّظُمِ، تَدْعَمُ التَّعْلِيمَ الشَّخْصِيَّ وَتُحَسِّنُ النَّتَائِجَ.
ج. إِنْشَاءُ أُطُرٍ قَانُونِيَّةٍ وَأَخْلَاقِيَّةٍ
لِضَمَانِ العَدَالَةِ، يَجِبُ تَطْوِيرُ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ تُوَازِنُ بَيْنَ تَحْقِيقِ الاِبْتِكَارِ وَحِمَايَةِ الحُقُوقِ.
السادة الحضور،
إنَّ الذكاء الاصطناعي والتحوُّل الرقمي لا يمثلان مجرد أدوات تقنية، بل هما فرصٌ لتشكيل مستقبل أكثر إشراقًا. التحدي الحقيقي أمامنا هو كيفية الاستفادة من هذه الفرص بما يحقق الشمول والعدالة والاستدامة.
إنني أدعوكم جميعًا – أكاديميين، صنَّاع قرار، وخبراء – إلى أن نعمل معًا لتطوير منظومة تعليمية تتبنى هذه التحولات، وتُساهم في بناء مجتمعات مزدهرة ومستدامة. بين أيدينا اليوم فرصة تاريخية لصناعة مستقبل أفضل، فلنغتنمها معًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.