عبد الهادي راجي المجالي : لبنان
.. بسرعة وبدون تردد خرج لبنان من أزمته السياسية، عبر انتخابه رئيساً جديداً..
وما لفت انتباهي أن هذا الوطن بصراعاته (حلو)... فالمشاجرة التي جرت بين سليم عون وبولا يعقوبيان حازت على مشاهدات بالملايين.. أكثر مما حاز راغب علامة على مشاهدات في نصف ما سجل من أغان...
لبنان (حلو).. بالرغم من القصف الذي طال كل (ضيعة) فيه بالرغم من سحق الضاحية الجنوبية, بالرغم من أعداد الشهداء العالية.. إلا أن مشاجراتهم في البرلمان كانت في إطار الحديث، لم يترك أحد كرسيه.. لم يقذف أحدهم الاخر بعلبة الماء.. لم يصرخ رئيس المجلس بعبارة: (رفعت الجلسة).. لم تتقدم (الوجوه الغانمة).. لرأب الصدع بين بولا وسليم, ولا أظن أن (عطوة) حدثت بين التيار الحر وتيار (بولا).. تخللها مناسف.
ما تعرض له لبنان في العام الماضي, يفوق الوصف...لكن الشخصية اللبنانية أعلى من الطائفة، والهوية اللبنانية واضحة..وتطغى على الإنتماءات الضيقة، لهجتهم هي ذاتها في البرلمان، والوقار الذي يتحلى به نبيه بري....لايسمح لأحد بخدشه، هيبته في المجلس طغت على الجميع, فالماضي السياسي الذي يمتلكه له تقديره, وظهوره في الأزمات وعدم الاختباء خلف كواليس الصمت له دوره، والأهم أن هذا الرجل لو تطلب منه الأمر أن يدفع من دمه كي يمرر المرحلة ويسلم لبنان لفعل...
نبيه بري ظاهرة تستحق التوقف عندها، لم يتخندق يوما خلف طائفة أو حزب ومن يقرأ مشهد انتخابات الرئيس يدرك أن هذا الرجل جعل الجميع يؤمن بدوره وضرورة الالتفات لحكمته, والقبول بما يطرح.. هو أخرج حزب الله من أزمته وأخرج العالم العربي من الأسئلة، ومرر قصة الرئاسة.
في النهاية نحن الذين نراقب لبنان من الخارج.. ماذا نلتقط من المشهد؟ أظن أن كل حرب تمر على لبنان يخرج منها هذا الوطن أقوى، وأظن أن أكثر ما لفت انتباهي أننا في جلسات مجلس النواب السابقة، كنا من خطاب كل نائب نعرف خلفيته.. فهذا يمثل تيار جنبلاط, وذاك من التيار الوطني, وهذا من حزب الله.. في الجلسة الأخيرة، طغى لبنان على المشهد.. حتى في مشاجرتهم وقيامهم بشتم التيارات.. إلا أن صندوق التصويت حمل المصلحة اللبنانية ولم يحمل مصلحة تيار ما.
أنا أجزم أن لبنان سيعود للعالم العربي, سيعود قائداً وليس وطناً تتجاذبه الصراعات.. لبنان سيجلس على الطاولة ويقرر, ولن يكون ملف بحث تحدد فيه السفارات ماذا سيحدث، لبنان سيعود بجامعاته العريقة وبالثقافة.. وبالسياسة، وسيتحرر من قيود التبعية والسطوة والنفوذ...
لا تأخذوا كلام بولا يعقوبيان, في إطار كلام سيدة جميلة بوجه جذاب وبرداء جميل.. بل خذوه بقلب لبنانية أعلنت قهرها عما يحدث وشخصت المسألة بعقل سياسي ناضج، واتهمت دون تردد وهاجمت دون تردد.. لا أظن أن (نائبة) في الإتحاد الأوروبي تجرؤ أن تفعل ما فعلته بولا يعقوبيان، لكن في لبنان المرأة وحضورها أعلى بكثير مما نظن، فهذا الوطن (الحلو).. هو الذي أنتج فيروز، هو الذي جعل من صوت النساء قرارا ومن عيونهن أمرا..
ما فعلته بولا يعقوبيان، هو تشخيص لواقع عجز عنه الذكور، هي بالمناسبة قاتلت بما هو أخطر من البندقية, قاتلت بالوعي.. وبالوطنية اللبنانية الصادقة.
لبنان (حلو)..ــ الراي
Abdelhadi18@yahoo.com