المبادرات المجتمعية.. دور متزايد في تخفيف تكاليف ((العزاء))
عمان - عبدالحافظ الهروط
برزت في السنوات الأخيرة، ظاهرة انتشار «بيوت العزاء» وبأشكال عديدة، منها الدواوين التي تحمل اسماء العشيرة والقبيلة وأسماء جمعيات خيرية وعسكرية ومدنية وقاعات وصواوين، وكلها خصصت لتستقبل المعزين عند حالة الوفاة، لمدة ثلاثة أيام كما جرت العادة عند الأردنيين على وجه الخصوص.
هذه الأماكن وحالة الوفاة صارتا تشكل على الناس أعباء مالية، ومعنوية في استهلاك الوقت وبذل الجهد، لتقديم واجب العزاء.
وقد ازدادت هذه الأعباء بازدياد أعداد السكان والوفيات.
يضاف إلى هذه الأعباء، على ذوي الموتى والأقرباء والأصدقاء، في جانبها المادي، حيث تكاليف الطعام وأُجرة الخدمات، وغيرها، على امتداد أيام العزاء.
ورغم أن معظم الناس في المملكة دعوا من خلال وثائق لتجويد كثير من العادات والتقاليد الأردنية دون المساس بجوهرها الديني والاجتماعي، وللتخفيف مالياً في ما يخص تقديم الطعام دون إسراف، والتيسير على الناس لتقديم واجب العزاء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديد ساعات الاستقبال واقتصار ايام قبول التعازي على يومين، إلا أن هذه الوثائق لم يصمد منها إلا القليل.
في الجانب الديني لهذه الحالة، قال وزير الأوقاف،سابقاً، المدرّس في الجامعة الأردنية، حالياً،د. عبدالناصر ابو البصل، أن الشرع دعا إلى إطعام ذوي المتوفى كونهم في إنشغال متطلبات الوفاة وفي حالة حزن ولا يسمح لهم الوقت القيام بعملية الطبخ الاعتيادية.
وقال إنه من المستحسن أن يجالس أهل الميت، من يعد الطعام ويشاركهم في الأكل، ويشجعهم على ذلك.
وأضاف ابو البصل أن ديننا الإسلامي الحنيف نهى عن الإسراف والتبذير في مناسبات الأفراح والأتراح، ليكون الإنفاق على هذه المناسبات بشكليها دون مبالغة وليس لغاية الظهور وتكليف النفس بما لا يستطيع صاحبها، فالأصل هو التخفيف، وهذا محمود شرعاً.
وأثنى على من تبنى المبادرات المجتمعية من خلال الوثائق التي تدعو إلى تغيير السلوكات المعمول بها في مثل هذه المناسبة، وما يترتب عليها من تكاليف اقتصادية تتعلق بإقامة الموائد لتشمل العشيرة أو الحمولة، ونصب الصيوانات وحجز القاعات والدواوين وقبول التعازي لثلاثة أيام، وأحياناً يمتد ليوم أو يومين في مكان آخر.
ولفت إلى أن كثيراً من هذه المبادرات تدعو لتقبل التعازي عند المقبرة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، للشعور بظروف الناس وأحوالهم الذين يقطنون في محافظات ومدن تبعد عن مكان العزاء.
وأشار أبو البصل إلى بعض الحالات التي تغيرت على عادات وتقاليد المجتمع الأردني وتمثلت بعدم الالتزام بهذه المبادرات، ما جعل تبعات العزاء مكلفة على ذوي المتوفى وأقربائه وأصدقائه، وخصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة وازدياد حالات الوفاة، بسبب الحوادث والأمراض وازدياد عدد السكان، داعياً إلى التمسك بما دعا اليه الشرع في التخفيف في الإنفاق،والتعاون بين الناس، ومراعاة ظروفهم.
وفي الجانب الاجتماعي قالت استاذة علم الاجتماع في جامعة العين الدكتورة دينا ناصر الطاهات إن تكلفة الأتراح أصبحت مرتفعة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة موضحة ان المجتمع الادرني بشكل عام يعاني من ضغوط اقتصادية تؤثر على قدرته على تحمل تكاليف عزاء الفقيد، حيث تشمل هذه التكاليف تجهيزات العزاء، كالإطعام، والنقل، وتأجير القاعات وهذه المصاريف تمثل عبئًا إضافيًا على كاهل الأسر، خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة».
وأضافت الطاهات: «لا يمكن إغفال الجانب النفسي والاجتماعي في هذه المناسبات، حيث يشعر الكثيرون بأن الانفاق الكبير على تنظيم مراسم العزاء يعكس الاحترام والمحبة للمتوفى لكن هذا المفهوم في بعض الأحيان يقود الى ضغوط اجتماعية تدفع الأسر لتجاوز ميزانياتها، مما يعزز من حلقة الفقر بدلاً من تخفيفها».
وتطرقت إلى ضرورة إعادة التفكير في كيفية تنظيم الأتراح، مقترحة: «يمكن للمجتمعات أن تتبنى نهجاً أكثر اعتدالًا في تنظيم مراسم العزاء، يمكن أن يتمثل في التعاون بين الأسر أو حتى إقامة مناسبات جماعية في الأماكن العامة هذا سيساهم في تقليل التكلفة وخلق بيئة من التضامن بين الناس في مواجهة أحزانهم».
وشددت الدكتورة الطاهات على أهمية التوعية بأهمية التخلي عن العادات الإسرافية والبحث عن بدائل اقتصادية تحافظ على كرامة الفقيد وتحترم مشاعر العائلات المعنية، حيث أن المبدأ الأساسي لا يزال في تقديم العزاء والمواساة وليس في إظهار الثراء أو المظاهر.
وفي الجانب الاقتصادي، قال الحاج سالم أبو معروف (عضو جمعية)، تملك مبنى للمناسبات، إن كثيراً من أهالي الموتى، لم تسعفهم ظروفهم لدفع ما ترتب عليهم من مبالغ تراكمت، جراء استخدام المبنى لتقبّل العزاء، رغم مراعاة الجمعية لحالتهم المادية بإعطائهم خصماً، والدفع على أقساط، في إشارة للتكاليف العالية المترتبة على هؤلاء، ما دعانا في الجمعية للطلب باقتصار حجز القاعة ليوم أو يومين.
فيما أكد عضو إداري في «ديوان» يحمل اسم العشيرة–فضّل عدم ذكر اسمه- بأن تكلفة مستلزمات العزاء لحالة الوفاة الواحدة الواحد في إعداد الطعام وليومين، لا تقل عن ثلاثة آلاف وخمسمئة دينار.
وأضاف، هذا المبلغ مكلف إذا ما نظرنا إلى عدد الوفيات على مدار العام، وفي ظل هذه الظروف القاسية، حسب قوله.
ولم يخف رضاه، بأن اقتصار مدة العزاء على يومين بدل ثلاثة، خفف عليهم التكاليف، لِيُوجَّه ما تم توفيره إلى تحديث احتياجات المبنى وتسديد الديون لأصحاب الملاحم والمطابخ التي تخصصت لهذه المناسبات. ــ الراي