م . باهر يعيش : الجسر على النهر؛ كثافة الدخول إلى الضفّة أكبر من الخروج رغمًا عن..!!
جسر (الملك حسين)...(اللنبي) المضّجّع على نهر الأردن، ويصل بين الأردن وفلسطين؛ جسر عتيق يروي كلّ يوم آلاف الحكايا للسائرين عليه من وإلى فلسطين نحو الأردن الشقيق ومنه. هذا الجسر هو المنفذ الوحيد بل الرئة الوحيدة التي يتنفس منها مواطنو الضفة الغربية من نهر الأردن...(من فلسطين) في غربتهم عندما يصلون إلى سماء وأرض الأردن الشقيق. عندما يقول أحدهم او إحداهنّ أنا (نازل) على الجسر، أو جاي من الجسر؛ الكل يعرف أنه يقصد هذا الجسر على النهر وأنه قادم أو مغادر إلى الأردن.
على هذا الجسر يعاني المسافرون على الجانب الفلسطيني منه حيث تتولى سلطات الاحتلال العسكرية إدارة العمليات إيابًا وذهابًا. يقررون متى يفتحون الجسر ومتى يغلقونه!، كذا يقررون أن عدد القادمين يكفي رغم وجود مئات بل ربما آلاف منهم على الجانب الأردني من الجسر في ضيافة السلطات الأردنية.. إخوانهم الحريصين على أن يركب آخر فلسطيني في الحافلة التي ستقله إلى بلاده عبر النهر. يصرّ العابرون على العبور وينتظرون بفوارغ الصبر حتى حلقه. ينتظرون ربما من الفجر حتى الغروب وما بعده العشاء وإن كان في إمكانهم حتى الأبد على جانب الجسر لكنهم... يعودون بلا حتى خفّي حنين ليعودوا في فجر اليوم التالي ومن جديد. تعسّف وتجبّر من المحتلّ، ومع ذلك هم... لا يكلّون ولا يملّون فالجسر نصفه ملكهم... والنهر نصفة ملكهم.
قبل يومين قريب لي نزل إلى الجسر من عمان لرغبته في العودة إلى نابلس؛ فعاد إلى عمان بعد أن مكث ساعات طوال في خارج مبنى الدخول مع مئات غيره في انتظار دوره بسبب الضغط الكبير على الجسر في الجهة الأردنية بسبب البطء الشديد وعدم السماح بعبور المسافرين من قبل سلطات الاحتلال...فقد اكتفوا.
عاد الرجل بالأمس للمرة الثانية ومكث على الجانب الأردني حوالي سبع ساعات و...عاد مرة أخرى إلى عمان لكثافة أعداد الداخلين الراغبين في العودة للضفة وللبطء في السماح للركاب بالدخول للضفة الغربية بحيث أن الحافلات التي تنقل ركابًا تنتظر ساعات طوالاً على مدخل الجسر في الجانب الأردني بانتظار السماح لحافلة بالدخول على مزاج الجانب الآخر... رغم محاولة الجانب الأردني الضغط لتخفيف محاولات الإعاقة.
ما يبهج القلب هو الإصرار على العودة إلى الوطن والصبر الطويل على بلوى تحكم سلطات الاحتلال بالأعداد والتوقيت والسرعة أو البطء. هذه السلطات تفتعل ذلك لعدم عودة ابناء وبنات الضفة الغربية إلى مدنهم وقراهم لكن هم دومًا... عائدون.
سمعنا عن الترحيل والتهجير الذي يسوّق له الاحتلال. من يسمع أخبارهم يتوقع أن يكون الجسر في الخروج متأزمًا لكن العكس هو الصحيح. ألجسر في العودة متأزمًا ورغم ذلك هم صابرون مرابطون.. يعودون ودومًا يعودون و... سيعودون مهما كان الظلم والعسف والمضايقات. فابن نابلس وقراها يعشقون البلد القديمة وجبلي المدينة الشامخين أبدًا، وابناء القدس وقراها يعشقون باب العامود والأسواق في البلد القديمة وساحات الأقصى، وأبناء جنين وطولكرم يحنون دومًا للحقول ومضافات المخاتير، ورام الله المصيف الحميل الذي كان يؤمه عرب كثير في أوقات الصيف ما زال كما هو في قراها. وخليل الرحمن وبيت لحم وأماكنها المقدسة ما زالت واقفة تبتهل إلى المولى أن يحفظ البلاد والعباد.
لو سمحت تلك السلطات لمن يريد العودة إلى البلاد من أهل البلاد من غير المقيمين فيها حاليًا؛ لتطلب الأمر عشرة جسور أخرى رغم العسف والقهر الذي سيواجهونه من قوات الاحتلال. نشكر المولى على أن خط السير للداخلين للضفة الغربية/لفلسطين يشهد ازدحامات دومًا مع الصبر الكبير الذي يبديه العابرون،. هو العناد الجميل في العودة والصبر والصمود...هو عناد الفلسطيني ويمثله...الجسر. ــ الراي