لولا مبادرة "استعادة الأمل" الأردنية.. كرامة ذوي الإعاقة في غزة تنداس بجنازير حراس الحضارة
في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي يصادف الثلاثاء تحت شعار "تعزيز قيادة الأشخاص ذوي الإعاقة لمستقبل شامل ومستدام"، تبرز التحديات الكبيرة أمام ذوي الإعاقة حول العالم، مع تركز معظمهم في البلدان النامية لكن المسألة في قطاع غزة تطغى على كل ما سطرته أقلام العباقرة في مسألة الإعاقة واحتياجاتهم الماسة بالحياة.
في غزة، تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في تقرير لها أن "1000 طفل على الأقل إما فقدوا ساقاً واحدة أو كلتيهما منذ بداية العدوان الإسرائيلي وأن معظم العمليات الجراحية التي أجريت للأطفال تمت دون تخدير، فيما تؤكد منظمة إنقاذ الطفولة، أن ما لا يقل عن 10 أطفال يفقدون سيقانهم كل يوم في هذه الأرض التي تئن تحت دوي القنابل والفراغية والصواريخ دون انقطاع منذ أكثر من عام.
هذا التحدي يتحول في غزة إلى صرخة من أجل البقاء والكرامة وسط أزمات إنسانية خانقة. الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة يبحثون عن أكثر الضروريات مساسا بحياتهم فلا يجدونها. إنهم محرومون من الغذاء والدواء والماء، وبلا مسكن يحتمون به من البرد القارص أما المصابون منهم برصاصة أو شظية قنبلة أو المصابون بأمراض مزمنة فإنهم يعضون على ألمهم لغياب الرعاية الطبية. لقد ضاعت كرامتهم الإنسانية وسط مناشدات ذهبت أدراج الرياح في فضاءات ما يسمى بإنسانية حضارة القرن الواحد والعشرين باستثناء محاولات منظمات دولية ما تلبث أن تصطدم بالمستحيل في حرب لم ترحم حتى الحجر.
مبادرة "استعادة الأمل" الأردنية بتوجيهات ملكية سامية لدعم مبتوري الأطراف في غزة كسرت كل الحواجز وتحدت كل المخاوف والمحاذير وأخذت على عاتقها أن تقدم دورًا حاسمًا في التخفيف من معاناة هؤلاء وضمان حصولهم على الأطراف الصناعية والرعاية اللازمة، لتجسّد أروع قيم التضامن الإنساني لتخفيف المعاناة وتضميد الجراح.
فالمبادرة التي يقوم عليها المستشفى الميداني الأردني جنوب غزة/4، تعد مثالًا ساطعًا في دعم ومساندة صمود الأشقاء في قطاع غزة ومساعدتهم على تجاوز الظروف الصعبة التي يعاني منها المدنيون جراء الحرب الإسرائيلية، حيث ساهمت الطواقم الطبية في المستشفى بتركيب 185 طرفاً صناعياً لأشخاص فقدوا أطرافهم خلال الحرب الدائرة في القطاع كما يؤكد متحدثون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا).
الأمين العام للاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة مجدي مرعي، قال مع استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة للعام الثاني، لم يستجب الاحتلال للمطالبات بالالتزام بتطبيق ما جاء في القوانين والاتفاقيات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان، والتي تكفل حقوق المدنيين خاصة ذوي الإعاقة منهم، وتؤكد على حمايتهم في وقت الحرب أو السلم، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة المادة (11) منها، أو حتى دون محاسبة إسرائيل طبقا للقانون الدولي وتحميلها مسؤولياتها كقوة قائمة بالاحتلال.
وأكّد مرعي أن أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة ازدات في قطاع غزة نتيجة الحرب لتصل إلى أكثر من 90 ألفا مقارنة بنحو 58 ألفا قبل الحرب عدا من استشهد منهم والمفقودين الذين لا يمكن حصرهم في ظل استمرار العدوان.
عضو الأمانة العامة للاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة خالد قنان، أشار بالاعتزاز الى جهود المستشفيات الميدانية الأردنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما فيها المستشفى الميداني الأردني جنوب غزة/4، الذي يسعى بشكل مستمر ومتواصل لتقديم الدعم الطبي للمرضى والجرحى خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال علاجهم ومداواتهم وإجراء العلميات الجراحية وتزويد من يحتاجون للأطراف الصناعية.
وقال، "كم نرى السعادة مرسومة على وجه المستفيدين من العلاج وكذلك من المساعدات بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة الذين تلهج ألسنتهم بالدعاء الى الله أن يحفظ الأردن ملكا وشعبا لما يبذلونه من دعم لأهلهم في غزة.
ممثل الأمين العام للاتحاد الفلسطيني للأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة ناجي ناجي، أشار إلى أن كل حرب على غزة تعني مزيدًا من الألم والمعاناة للأشخاص ذوي الإعاقة لكن خلال الحرب الأخيرة، ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من الإعاقات، سواء بسبب الإصابات المباشرة أو سوء الأوضاع الصحية الناتجة عن نقص الرعاية الطبية والغذاء حيث تشير الإحصاءات الأولية إلى تسجيل أكثر من 10 آلاف حالة إعاقة جديدة منذ تشرين الأول 2023، ما يضاعف من التحديات على الصعيد الإنساني والخدماتي.
وأشار ناجي الى الدور الأردني المشرف في هذا السياق ومن أبرز مظاهره المستشفى الميداني الأردني الذي يقدم خدمات طبية حيوية، بالإضافة إلى المساعدات الغذائية والأجهزة المساندة، معتبرا ذلك قصة نجاح إنسانية في ظرف قاهر حيث ساهم هذا المستشفى في تحسين جودة حياة كثيرين.
يشار الى أن 185 دولة وقعت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما فيها المادة (11) التي نصت على: "تتعهد الدول الأطراف وفقا لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية".
وقال مدير مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان الدكتور نظام عساف إن العدوان الوحشي المستمر الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، كان له تأثير مدمر على الأشخاص ذوي الإعاقة. فقبل العدوان الإسرائيلي كان عدد الأفراد الذين فقدوا أطرافهم في غزة يقارب 56000، ولكن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي أضافت الى هذا الرقم أكثر من 17000 من مبتوري الأطراف الجدد لكن هذه الأرقام تبدو متواضعة إذا أخذنا بالاعتبار التقديرات الأخيرة التي تؤكد ارتفاع عدد المصابين الى أكثر من 104000 شخص أكثر من 20000 منهم أصيبوا بإعاقات دائمة.
وأضاف، لقد أسفر انهيار النظام الصحي في غزة بسبب الحرب عن ترك العديد من الأشخاص الضعفاء دون دعم طبي وازدياد خطر تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لمضاعفات صحية بما في ذلك الإصابات البدنية والضغوط النفسية، مشيرا أيضا الى النقص الحاد في الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الكراسي المتحركة وأجهزة السمع والمعدات الطبية، ما يزيد من تفاقم الظروف الصعبة التي يواجهها ذوو الإعاقة.
ولفت إلى أن حملة "إعادة الأمل" التي أطلقتها الهيئة الهاشمية الأردنية للإغاثة تجسد الروابط القوية بين الاردن وفلسطين من خلال تقديم الدعم الحيوي لأكثر من 16000 من مبتوري أطراف في غزة، ومن خلال هذه الحملة، أظهرت الهيئة الهاشمية وشركاؤها التزامًا وتعاطفًا ملحوظين في مساعدة أولئك الذين عانوا أكثر من غيرهم في مواجهة المصاعب التي لا مثيل لها في التاريخ الإنساني الحديث.
وكانت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية أعلنت في وقت سابق عن إطلاق حملة إعلامية لجمع التبرعات لدعم مبادرة "استعادة الأمل"، التي تهدف إلى تقديم الدعم الطبي للمبتوري الأطراف في قطاع غزة.
وأوضحت الهيئة أن الأردن أنشأ في المستشفى الميداني العسكري في خانيونس عيادتين متنقلتين لتركيب الأطراف الصناعية، مبينة أن الحملة تهدف إلى جمع تبرعات من الأفراد والمنظمات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص لتقديم الدعم للمتضررين جراء الحرب. وتقدر تكلفة الطرف الصناعي الواحد بـ 1400 دولار أميركي.
الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في رسالته بمناسبة هذا اليوم عبر الموقع الإلكتروني للجمعية: "يذكِّرنا الاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة هذا العام بأننا بحاجة إلى الروح القيادية للأشخاص ذوي الإعاقة أكثر من أي وقت مضى"، مشيرا الى أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يتحملون بالفعل وبشكل غير متناسب وطأة الأزمات التي تعصف بعالمنا من النزاعات والكوارث المناخية إلى الفقر واللامساواة.
--(بترا)