اسماعيل الشريف يكتب : الفتنة والموقف الأردني العقلاني
نقف لجانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها- الملك عبد الله الثاني ابن الحسين
يشهد الشارع الأردني انقسامًا كبيرًا وجدلاً واسعًا حول الأحداث الجارية في سوريا.
هناك فريق يدعم النظام السوري، ويراه القلعة الأخيرة للقومية العربية وجزءًا من محور المقاومة الذي يتصدى للنفوذ الأمريكي والصهيوني. هذا الفريق يرفع شعارات المقاومة والقومية، ويؤيد توجهات النظام العلمانية التي تتقارب مع قناعاته، معتبرًا أنه يحمي الأقليات في سوريا. كما يصف الفصائل المسلحة بالإرهابية، ويتهمها بقتل الشعب السوري وبتلقي الدعم من جهات خارجية، محمّلًا إياها مسؤولية الفوضى التي تشهدها البلاد وهدم الدولة السورية ومؤسساتها.
أما الفريق الثاني، فيدعم الفصائل المسلحة، ويرى فيها مشروع كفاح ضد الظلم والاستبداد.
وهناك الفريق الثالث ينظر إلى ما يجري في سوريا بحذر شديد. يرى أن الاقتتال الداخلي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى وإراقة الدماء. ويحذر من أن استبدال نظام بآخر تحت سيطرة الفصائل المسلحة قد يقود إلى تقسيم سوريا، خاصة في ظل الفظائع التي ارتكبتها تنظيمات مثل داعش والجماعات المسلحة الأخرى في الماضي.
كما تنظر هذه المجموعة إلى التداعيات الجيوسياسية الناتجة عن الاقتتال الداخلي في سوريا، وترى أن هذا الصراع يخدم مصلحة الكيان الصهيوني والقوى الإمبريالية. وتعارض هذه المجموعة وجود أي نفوذ تركي أو إيراني في سوريا. وتعتقد أن تغيير النظام بالقوة سيؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء والفوضى، وتشدد على أن الحل الوحيد الممكن هو حل سياسي شامل يقرره الشعب السوري بنفسه.
علينا أن ندرك حقيقة أن جميع الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الشأن السوري لا تهتم بمصلحة الشعب السوري أو نظامه السياسي أو وحدة أراضيه، بل تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة فقط.
تتزايد المخاوف من امتداد الفوضى في سوريا إلى دول مجاورة، خاصة العراق. استجابةً لذلك، اتخذت القوات المسلحة العراقية إجراءات لتعزيز أمن حدودها مع سوريا.
يدرك الأردن تمامًا خطورة انهيار الدولة السورية وسيطرة الفصائل المسلحة عليها، ويؤمن بأن الحل الوحيد يكمن في جلوس جميع الأطراف على طاولة المفاوضات. ففي عام 2021، قدم الأردن مبادرة تقوم على مبدأ «الخطوة مقابل الخطوة»، بهدف تحقيق تقدم تدريجي نحو حل سياسي شامل للأزمة السورية. ركزت المبادرة على البدء بمعالجة الجوانب الإنسانية، ثم الانتقال إلى الملفات العسكرية والأمنية، وصولًا إلى صياغة حل سياسي ينهي الأزمة.
كما استضاف الأردن قبل عشرة أعوام مؤتمرًا لوزراء الخارجية العرب، خصص لمناقشة سبل إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، في إطار تسوية سياسية شاملة تهدف إلى إنهاء الأزمة السورية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وينبع هذا الموقف الأردني المتزن من التزام عروبي أصيل يهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي العربية وحماية الشعوب العربية. فقد حمل الأردن على عاتقه الأعباء الإنسانية الناتجة عن الحروب التي عصفت بالدول العربية، متحملًا تلك المسؤوليات كثيرا بشكل منفرد.
يواجه الأردن تحديات أمنية متزايدة على حدوده مع سوريا، تشمل تسلل مسلحين واشتباكات معهم، بالإضافة إلى ارتفاع محاولات تهريب المخدرات. ورغم كفاءة القوات المسلحة الأردنية في السيطرة على الحدود وإحباط هذه المحاولات، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في احتمال تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين.
يستضيف الأردن حاليًا حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري، مما يشكل ضغطًا هائلًا على موارده المحدودة. ورغم ذلك، يظل الأردن ملتزمًا بدعم الشعب السوري الشقيق في مواجهة التحديات. إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من تجنيد الشباب الأردنيين في الصراعات داخل سوريا، مما قد يسهم في نشر الفكر المتطرف داخل المجتمع الأردني.
من الناحية الاقتصادية، تتأثر حركة التبادل التجاري، خاصة في المناطق الحدودية التي تعتمد على التجارة مع سوريا، نتيجة لهذه التحديات الأمنية والإنسانية.
لذلك، قارئي العزيز، لا تندفع كثيرًا في تأييد أي طرف من أطراف الصراع في سوريا. فلا توجد فتوى دينية حاسمة من علمائنا الأجلاء تجاه ما يحدث، إذ يعتمد كل طرف على نصوص تبرر وجهة نظره. بدلاً من ذلك، راقب هذا المشهد الدموي البشع بحذر، واترك لقياداتنا السياسية مهمة خوض معركتهم في حماية الشعب السوري والدولة السورية، مع الحفاظ على أمننا القومي. فما يجري في سوريا هو فتنة عظيمة، ككسف الليل المظلم. ــ الدستور