حسين الرواشدة يكتب: أهلاً بالخطاب «الركيك» حين يكون أردنياً
تصوّر، خطاب رئيس الوزراء لنيل الثقة من البرلمان «ركيك»، لانه تحدث عن الأردن، ولم يتطرق لفصائل المقاومة في غزة، تصور، أيضاً، مطلوب من الأردن أن يمنح الإقامة والجنسية لأزواج الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين وابنائهن، تصور، ثالثا، لابد من فتح القنوات، الآن، مع حماس للدفاع عن الأردن، تصور، رابعا، ان قيمة الأردن ليست في ذاته ولا في تاريخه ولا في قداسة ترابه ودماء شهدائه، وإنما، فقط، بالجغرافيا التي وضعته في هذا المكان (وفهمكم كفاية).
هذا جزء من خطابات بعض النواب تحت قبة البرلمان الأردني، (وهو امتداد لخطابهم بالشارع)، لاحظ التوقيت، حيث تداهمنا أشباح الوطن البديل وسيناريوهات التجنيس، وبنادق المليشيات التي لا تؤمن بالدولة، لاحظ المكان ؛ البرلمان الأردني وليس اجتماعا للفصائل والتنظيمات، لاحظ الخلط بين أجندتين، احداهما وطنية -أو هكذا يفترض - تتعلق بالأردن، في مناسبة دستورية تقدم فيها الحكومة بيانها لنيل الثقة من النواب، فيما الأجندة الأخرى لا ترى في الأردن إلى «دِرعاً» او «تُرساً» أو «أرض حشدٍ ورباط»، مهمته الانتحار لإيجاد حل لقضايا الآخرين على حسابه.
تصوّر، في المقابل، أبناء المفرق ( حسب احد النواب) يدرسون في كرفانات واللاجئين هناك يدرسون في مدارس نموذجية، تصور أيضا أكثر من 13 سكان الأردن من اللاجئين (3.8 مليون)، حيث أن واحداً من كل ثلاثة من سكان الأردن لاجيء، وتبلغ نسبة مشاركتهم في سوق العمل نحو 60 %، ومقابل وجود مليون عامل وافد من ذوي المهارات المتدنيه، يوجد مليون أردني مهاجر في الخارج، معظمهم من أصحاب الكفاءات، ويعاني 50 % من الشباب الأردني، ممن هم في سن العمل، من البطالة.
تصوّر، ايضاً، كميات المياه المتوفرة في الأردن – حسب الناطق الرسمي باسم الوزارة – لا تكفي إلا لـ «3» ملايين نسمة فقط، هذا يعني أن نحو «8» ملايين من سكان الأردن لا نصيب لهم من المياه، فيما تشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان الأردن تضاعف في السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ (حزيران 2012) نحو «6» مليون، ثم اصبح (2023) اكثر من «,11,5» مليون نسمة، وفي العام الماضي، فقط، بلغت الزيادة السكانية 280,000 نسمة
صحيح، الأردنيون منذورون لخدمة أمتهم، نفهم ذلك ونقُدّره، وجاهزون دائما لدفع استحقاقاته عن طيب خاطر، لكن الأردنيين، أيضا، يجب أن يكونوا منذورين لخدمة بلدهم أولا، كما يجب أن يكون من يمثلهم، سواء في البرلمان أو غيرهم، منذورين للدفاع عن مصالحه وهويته الأردنية، وأن لا يتقمصوا أي قضية خارج السياق الوطني للإساءة إلى بلدنا، أو الإنتقاص من دوره وتاريخه، لا يجوز، أبدا، أن نتجاوز سيرورة التاريخ أو نغرق فيه، الدولة الأردنية هي الإطار الأول والأهم، ولا يحق لطرف أن يقايضها او يستبدلها بتنظيم مهما كان اسمه، لا على صعيد الانتماء أو الاحتماء، ولا بتحشيد الشارع ورفع الرايات، أو إشهار الهتافات والتغني بالرموز.
معقول أن يُصنّف بعض السادة النواب، وغيرهم أيضا، خطاب رئيس الحكومة بالركيك لانه تحدث باسم الأردن ومصالحه، أو لانه قال بصراحة :«إن حل القضية الفلسطينية في فلسطين وليس في الأردن»، (اهلاً ومرحبا بالركاكة إذا كانت تتحدث عن الأردن وباسمه)، معقول أن يمارس بعض الذين صعدوا فوق شجرة المقاومة تصنيف الأردنيين خارج الملة الدينية والوطنية والقومية لمجرد أنهم قالوا: لنا قضية أردنية هي الدولة ومصالحها، أو لنا بلد نصر على أن يصمد ويبقى قويا، لكي نعيش فيه بكرامة، أو لأنهم رفضوا تيارات الوطن البديل والتجنيس والكونفدرالية، وغيرها من الوصفات ذات الدمغة الصهيونية التي يُراد لنا أن نبتلعها كالسم، كل هذا لنثبت أننا منذورون لأمتنا وقضاياها العادلة؟
كفى مقايضات، حان الوقت لكي نرفع أصواتنا أمام الجميع بلا خوف ولا تردد، هذا الأردن دولة لا تتقمص هوية أي دولة أخرى أو أي تنظيم، لها هوية واحدة، وشعب واحد، ومصالح معرّفة، وحدود مرسومة، تلتقي مع أمتها في إطار ديني وقومي وحضاري، وتساند قضاياها العادلة، لكنها ترفض أن يساومها بعض الذين يتحدثون باسمها على وجودها ومصالحها وخياراتها، ترفض أن تنخرط في سوق المزاودات التي يُروج لها من لا يراها إلا من ثقب أجنداته ومصالحه.
باختصار أوضح، الأردن أولا لمن يريدها دولته وقضيته وأولويته، ومن يراها غير ذلك لا يجوز أن يتحدث باسمها.