رمزي الغزوي : الدخان والبرلمان
من يعود لسينما السيتنات والسبعينات من القرن الماضي يجد أن السيجارة قاسم مشترك لغالبية المشاهد. فالبطل يدخن، والأب لا نراه إلا مدخناً، وفي شفتي صبي المقهى سيجارة تلفظ أنفاسها، ولا يلفظها، والمحقق يعبُّ نفساً ينفثه سحاباً بوجه المتهم، قبل أن يصعقه بسؤاله الذكي. وغير بعيد، فمن تابع مسلسل نزار قباني، يرى أن ما من مشهد للشاعر إلا وبيده سيجارة تزهر، حتى في أدق تفاصيل غزله.
غالبية الذين تورطوا بالتدخين، كان تقليد الكبار والممثلين حافزا لذلك. وما زلت أحس ذلك الزهو الذي كان ينتابنا بطفولتنا، حينما كنا نتخذ قلم الرصاص سيجارة في أصابعنا نسحب منها نفساً وهمياً بكل فخار. وقد التفتت واحدة من الشركات الغذائية للأمر، وطرحت بسكويتاً على شكل سجائر، كتمرين لذيذ لدخولنا معمعية التبغ. وهذا جانب في تربية نحصد الآن نتائجها. حيث نسبة المدخنين تتفاقم فينا لنصنف ضمن البلدان الشرسة تبغياً.
دائرة البريد الفرنسية سبقت قانون حظر التدخين 2007 في فرنسا ومحت السيجارة من يد وزير الثقافة الأسبق الشاعر أندريه مالرو في صورة شهيرة له، وشطبت السيجارة من يد فيلسوف الوجودية جان بول سارتر كشرط لاستخدام صورته في ملصق للإعلان عن معرض مخصص له في المكتبة الوطنية، كما وسبق للنائبين ديفيد فيشر، وبرنار دوبيجياك في البرلمان الفرنسي لصياغة مقترح لا يطالب بمنع صور المدخنين على أغلفة الكتب والمجلات، بل بمنع التطرق إلى التدخين في النصوص الأدبية من رواية، وقصة قصيرة، وشعر.
قبل بضع سنوات أعلنا موعداً فاصلاً لبدء تفعيل قرار منع التدخين منعاً باتاً في الوزارات والدوائر الهيئات الرسمية والأهلية والأماكن العامة. ومع الأسف ما ازددنا إلا رضوخاً واستعماراً لهذا الداء وانظروا إلى وزاراتنا وبرلماننا ومجالسنا. فقد فشلنا في إحقاق هذا الحق، ولم ننعم بانعتاق من هيمنة دمار تبغي يهيمن على ثلثي شعبنا.
لا نريد لنوابنا أن ينبروا لسن قانون يحظر التدخين بالروايات والقصص الأدبية، بل نريد تطبيقا عاجلاً للقانون على أرض الواقع، وتحت القبة البرلمانية أولاً، قبل أن نطالب الحكومة بفرضه وتطبيقه. وقد شاهدنا أول أمس نوابا يسترقون التدخين خلال جلسات مناقشة بيان الثقة في حكومة جعفر حسان.
لن أفسد يومكم بفداحة خسائرنا المالية، ولا بعلو فاتورة علاج المدخنين، الذي تتحمل الدولة جزءها الأكبر، ولكني أرى أن مشكلتنا الحقيقة، لا تكمن بقانون بقي، وربما سيبقى حبراً على ورق، لأن الإرادة الحقيقية مغيبة. ولهذا نريد الإرادة، ولا شيء غير الإرادة بكفاحنا لهذه الآفة.
ولنتذكر أن المدخنين مختطفون في البلد. هم رهائن للمدخنين، فإينما وليت وجهك ثمة غيمة تبغ تحاصرك وتسمم يومك. ارحمونا ــ الدستور