الأخبار

د. سمير صابر بينو : البيان الوزاري بين الطموح والتنفيذ

د. سمير صابر بينو : البيان الوزاري بين الطموح والتنفيذ
أخبارنا :  

أدرك تماماً أن من يضع حدوداً لطموحاته وتطلعاته فإنه قد يقف عندها أو دونها وأنه حتماً لن يتجاوزها. ولأنني متفائل بطبعي، فإنني أؤمن بأهمية الخطط الطموحة شرط أن تكون مبنيّة على رؤية واقعية. وضع رؤية طموحة وواقعية في ظل التحولات العالمية المتسارعة والأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن، ليس بالأمر السهل اليسير، بل هي عملية معقدة تتسم بالتحديات المستمرة والمتجددة.

وبما أن دولة رئيس الوزراء قد طرح ما بجعبة حكومته من رؤية وتوجهات وخطط طموحة وشاملة، فلا شك أن الحكومة قد بدأت بالاستعداد للمرحلة القادمة. الاستعداد يعني الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة مسؤولة عن تطوير سياسات عامة قادرة على التكيف مع المستقبل ومواجهة تحدياته. فصنع السياسات العامة لم يعد مقتصراً على الاستجابة للتحديات الحالية فحسب، بل يتطلب أيضاً رؤية استباقية واستشرافاً استراتيجياً يمكّن صناع القرار من توقع التغيرات المحتملة وإعداد سياسات مرنة وفعّالة. وعلى الرغم من أن السياسات العامة تهدف في المقام الأول إلى معالجة القضايا الراهنة، فإن تجاهل الأفق المستقبلي قد يؤدي إلى مشكلات أكثر تعقيداً على المدى الطويل. لذا فمن خلال دمج الحلول الفورية مع التخطيط الاستشرافي، يمكن للحكومات تحسين كفاءة السياسات العامة وضمان مرونتها أمام التحديات الحالية والمستقبلية.

وضع السياسات العامة الجيدة يتطلب أن تكون مبنية على أدلة علمية موثوقة ومعلومات دقيقة، مع وضوح الأهداف وتحديد دقيق لأدوار الحكومة ومسؤولياتها. هذه السياسات إذا صُممت بعناية، يمكن أن تكون فعالة في معالجة المشكلات المعاصرة دون التسبب في إثارة خلافات سياسية منذ البداية. ومع ذلك فإن هذا الجانب، رغم تعقيده، قد يكون الجزء الأسهل من مهمة الحكومة، فالتحدي الأكبر يكمن في التنفيذ، الذي يتطلب إرادة سياسية قوية، وموارد كافية، وكفاءة إدارية عالية، بالإضافة إلى تعاون جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق الأهداف المرسومة.

عملية التنفيذ بحاجة الى متابعة، والحكومة من دون شك سوف تعمل على تحديد أولوياتها ووضع استراتيجيات وسياسات وتخصيص موازنات لغايات تنفيذ خططها وتقديم الخدمات العامة، وبالرغم من جدية الحكومة في توجهاتها إلا أن هناك عوامل سوف تحول دون تنفيذها، فبعض المشاريع سوف يتم الغاؤها وبعضاً منها لن يتم تنفيذه في الوقت المحدد، وأحياناً لا يتم تنفيذها بالمستوى المطلوب من حيث مطابقة المواصفات والشروط الموضوعة. كما أنه في بعض الأحيان وبسبب عدم الالتزام قد تنجم حوادث تؤدي الى مضاعفات مختلفة.

التنفيذ يتطلب مراقبة الأداء وتحديد مواطن الضعف ونقاط القوة، حجم الإنجاز والاخفاق، مستوى التزايد والتراجع، وبحيث تكون هناك آلية تعمل كنظام إنذار مبكر يدعم اتخاذ القرار ويمكًن من الاستفادة من التميز ومعالجة التراجع وقياس الرضا عن الخدمة، وذلك لاستباق أي خلل في الأداء أو تهديد يتشكل في أي وقت ومكان قد يحول دون إنجاز المطلوب، ولضمان أن الوزارات والمؤسسات الحكومية تقوم بجميع وظائفها المسندة لها في مختلف المجالات وبتـوازن، بدلاً من الاهتمام بمجـال وإهمال أو إغفال مجال آخر.

هذه الرؤية الطموحة تتطلب التركيز على جدية التنفيذ وحسن الأداء والمحاسبة على التقصير، إذ أن ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته. مما يتطلب وجود جهة مختصة لمتابعة الأداء الحكومي عبر مؤشرات أداء مصممة بعناية، بعد تحديد مجالات العمل الأساسية في كل قطاع. على أن تكون هذه المؤشرات مؤتمتة لتوفير قراءات شبه لحظية تعكس الأداء بدقة في المؤسسات والمشاريع الحكومية، مما يمكّن صانعي القرار وأصحاب المصالح من الاطلاع الفوري على مستوى التنفيذ، كما يساهم في ضمان تحقيق الأهداف الوطنية عبر نهج استباقي يرّكز على متابعة الأداء العام وضمان سير العمل بشكل جيد، مع إمكانية تحديد وتعميم الممارسات الفضلى وتقديم الدعم الفني للجهات التي تواجه معوقات في التنفيذ. ومع أن لهذا النهج فوائد عديدة، إلا أن من أبرز مساوئه أنه سيكشف بوضوح أماكن وحجم ومستويات الترهل الإداري. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك