الأخبار

د. محمد العرب : الأردن: حجر الزاوية الذي لا يتصدع في زمن الرياح العاتية

د. محمد العرب : الأردن: حجر الزاوية الذي لا يتصدع في زمن الرياح العاتية
أخبارنا :  

في عالم السياسة والإعلام، قليلون هم الزعماء الذين يجيدون فن إيصال الرسائل غير المباشرة ببراعة تجعل الكلمات أدوات دقيقة تنحت مواقف وتبني توازنات، دون أن تظهر كحرب أو استسلام !

وهنا يبرز اسم الملك عبدالله الثاني كمعلمٍ حقيقي في هذا الفن، حيث تُظهر كل خطوة وكل كلمة منه فهماً عميقاً لأصول اللعبة السياسية وفق مبادئ التوازن ، في الداخل والخارج ،جلالة الملك لا يتعامل مع اللحظة، بل ينتهج فكراً استراتيجياً يقرأ المستقبل، ويعيد تشكيل رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية لصالح بلاده وشعبه وحلفائه.

ثلاثة عقود قضيتها في الإعلام، وشهدت خلالها زعماء يبدعون في الخطابة وآخرين في التحرك العسكري أو الدبلوماسي. لكن قليلاً ما رأيت زعيماً يجمع بين الحكمة والذكاء السياسي والقدرة على التوجيه غير المباشر للخصوم والحلفاء كما يفعل الملك عبدالله. خطابه ليس مجرد كلمات تُلقى لتُنسى، بل إشارات مدروسة، تحمل معاني عميقة تتغلغل إلى عقول الجميع، تُشعر الحليف بالأمان وتضع الخصم في حالة من التساؤل والحذر ، إنه نموذج فريد في مدرسة التوازنات التي أرسى قواعدها الراحل الملك حسين، تلك المدرسة التي أتقنت لعبة (الصمود بالحكمة) ، حين تكون الحكمة هي السلاح الأكثر قوة.

استقرار الأردن ليس مجرد ترف سياسي أو شعار يرفع في المؤتمرات الدولية، بل هو حجر الزاوية لاستقرار المنطقة بأسرها. في منطقة تعصف بها النزاعات وتتصادم فيها المصالح الدولية، يُعد الأردن نموذجاً استثنائياً للاستقرار رغم كل الضغوط. وبينما تشتعل النيران في الجوار، يبقى هذا البلد قلعة صامدة بحكمة قيادته ووعي شعبه. الأردن ليس بيتاً هشاً يتداعى أمام المؤامرات، ولا صيداً سهلاً لمن يظن أنه يمكنه أن يُزعزع استقراره. جذور هذا الوطن تضرب عميقاً في تاريخ المنطقة ووجدانها، وشعبه، الذي طالما أثبت وعيه ووطنيته، يتحول في الأزمات إلى درع حصين يحمي البلاد من الداخل.

السياسة الأردنية تتسم بعمق غير تقليدي، حيث يدرك القصر الملكي أن الصراخ العالي ليس استراتيجية فعالة في كل زمان ومكان. أجندة (خذوهم بالصوت) قد تنجح في ساحات محدودة، لكنها لن تجد لها مكاناً في الأردن، لأن من يحكم هنا يعتمد على منظومة من التوازنات المعقدة التي تجعل من بلاده شريكاً استراتيجياً للقوى الكبرى على مستوى العالم ، حلفاء الأردن ليسوا عابرين أو من الهامش ، إنهم من صناع القرار على مستوى الكوكب، سواء كانوا عرباً أو غربيين أو حتى شرقيين. هذه الشراكات لم تأتِ عبثاً ، بل هي نتاج سياسة ذكية أدركت أن البقاء في مركز التوازن هو السبيل الوحيد للنجاة والازدهار في عالم يزداد اضطراباً.

لكن وراء هذه السياسة الهادئة ظاهرياً، هناك أدوات وحلول يملكها القصر الأردني تفوق توقعات الكثيرين. عندما يظن البعض أن الأردن في موقف ضعف، يفاجئهم بتوازن مدروس يضعه في موضع قوة. وعندما تُغلق الأبواب أمامه، يفتح ممرات جديدة لم تُحسب حساباتها. إنها قدرة فريدة على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى قراءة اللعبة من زوايا لا يراها الآخرون.

الأردن، بجذوره الضاربة في التاريخ، ليس مجرد دولة صغيرة تحاول النجاة في محيط مضطرب، بل هو لاعبٌ محوري في معادلة أكبر بكثير مما يبدو. شعبه، الذي يظهر معدنه الحقيقي وقت الأزمات، ليس جمهوراً متفرجاً ، بل شريك في صياغة صموده. هذا الوعي الوطني العميق يجعل من الأردن قلعة يصعب اقتحامها، حتى عندما تضيق المساحات من حولها.

وإذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من التجربة الأردنية، فهو أن الحكمة ليست ضعفاً ، وأن الصمت المدروس قد يكون أقوى من الضجيج. الأردن ليس مجرد بلد، بل فكرة حية عن كيف يمكن للصمود أن يكون فناً ، وعن كيف يمكن للزعماء أن يبنوا دولاً لا تتصدع مهما اشتدت الرياح. الملك عبدالله، بمثابرته ورؤيته، لا يقود بلاده فحسب، بل يثبت أن القيادة الحقيقية هي التي تصنع الفرق في الزمن الصعب، وتحول المستحيل إلى واقع يمكن أن يفخر به الجميع.

كما أن ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، يجسد رؤية شابة ديناميكية تتناغم مع تطلعات الجيل الجديد، بينما تحافظ على أسس الدولة الراسخة. الدور الذي يقوم به يتجاوز كونه رمزاً شبابياً ، إذ يعمل كجسر بين القيادة التقليدية والمستقبل الطموح. مبادراته في مجالات التعليم، الريادة، والتكنولوجيا تعكس فهماً عميقاً للتحديات التي تواجه الشباب الأردني والمنطقة، مما يعزز من دور الأردن كقوة إقليمية تدفع بالابتكار والاستقرار. التزامه بالحوار مع الشباب، ودعمه لمشاريع التنمية المستدامة، يظهر بوضوح أهمية دوره كضامن لاستمرارية نهج التوازن الأردني، الذي يُبقي المملكة واحة استقرار وازدهار في قلب منطقة مضطربة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك