الدكتور الحمادشة.. من أسرة متواضعة بالرمثا إلى العالمية
عمان - سائدة السيد :
* اختراع عقار جديد لعلاج التليف القلبي
* العمل على تطوير علاجات طويلة الأمد
* الأردن يواجه محدودية التمويل البحثي وضعف البنية التحتية
* التخطيط لإنشاء مركز أبحاث في الأردن لتطوير الأدوية
* تبرعات بقيمة ربع مليون دولار لدعم مبادرات في الأردن
"لا يهم من أين تبدأ، فالطموح في متناول يدك، فقد جئت من خلفية متواضعة من الطبقة المتوسطة في مدينة الرمثا لوالدين لم يتلقيا تعليما رسميا، إلى أن أصبحت عالما ومخترعا لعقار جديد يسمى أكوراميدس وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للتو، لعلاج مرضى التليف القلبي".
بهذه الكلمات بدأ العالم الأردني الدكتور مأمون الحمادشة حواره مع "الرأي"، والذي تمكن من تحقيق إنجاز علمي وطبي غير مسبوق مؤخرا، ليصبح أول عالم عربي يقوم باختراع عقار جديد توافق عليه إدارة الغذاء والدواء الأمريكي FDA، لعلاج (اعتلال عضلة القلب أميلويد ترانسثيريتين)، وهو مرض قلبي يطلق "الداء النشواني".
وأوضح الدكتور الحمادشة أن هذا المرض تقدمي ومهدد للحياة، وهو ناجم عن تراكم بروتين ترانسثيريتين غير المطوي، مما يؤدي إلى تصلب القلب والفشل وعدم انتظام ضربات القلب، حيث يموت المرضى الذين يعانون من هذا المرض في الخمسينيات أو الستينيات من عمرهم خلال 3 إلى 5 أعوام.
متى بدأت رحلة الإنجاز ؟
أكد الدكتور الحمادشة أن رحلته بدأت كباحث كانت بعد حصوله على الدكتوراة من جامعة ستانفورد (2008-2011)، ومن ثم إكمال المسيرة بجامعة المحيط الهادئ، حيث أصبح أستاذاً في عام 2011، وأثناء دراسته لمرض الزهايمر، اكتشفت في عام 2013 أن الجزيئات التي كان يعمل عليها يمكن أن تعالج هذا المرض الذي يُطلق عليه غالبًا "مرض الزهايمر في القلب"، وأدى ذلك إلى تصميم وتركيب (اسم المركب ويرمز الحرف الأول الى الحمادشة)، مما يمثل إنجازًا رائدًا لعلاج هذا المرض المدمر.
وأضاف أنه لم يكن لديه حينها أي سجل حافل أو تمويل واسع النطاق، وفي منافسته مع شركات الأدوية العملاقة مثل فايزر، اعتمد على الإبداع والمثابرة والإيمان العميق بإمكانيات عمله، حيث قام عندما كان باحثا في جامعة ستانفورد في عام 2013 مع فريق صغير بتصميم آكوراميدس، وهو الدواء الذي يغير حياة الناس الآن، ونشر التركيب الكيميائي له الحصول على براءة اختراعه.
التحديات والصعوبات
بين الدكتور الحمادشة أن من التحديات التي واجهته هي التنافس ضد شركة الأدوية العملاقة فايزر، التي كانت تعمل على تطوير عقار تافاميديس، وهو علاج مماثل لنفس المرض.
وتابع أن باعتباره كيميائيًا شابًا ليس لديه أي سجل حافل، كان عليه التغلب على الشكوك والموارد المحدودة لإثبات إمكانات عقار اكوراميدس الذي اكتشفه، ليجعلها قصة كفاح ومثابرة، حيث علمته التجربة أن الإصرار والطموح يمكنهما التغلب حتى على أكبر التحديات.
ماذا ينقص الأردن لتحقيق الإنجازات؟
أشار الدكتور الحمادشة أن الأردن يواجه تحديات، مثل محدودية التمويل البحثي، وعدم المساواة في الوصول إلى التعليم الجيد، ونقص الموجهين، وضعف البنية التحتية للابتكار، ومحدودية الاتصال العالمي.
وأضاف أن معالجة هذه القضايا تكون من خلال الاستثمار في البحوث، وتعزيز التعليم، وتعزيز الإرشاد، وبناء مراكز الابتكار التي تمكن الشباب من تحقيق إمكاناتهم وإحداث تغيير حقيقي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، وجه الحمادشة رسالة للشباب الأردني قائلا "إحلم كثيرًا، واعمل بجد، وتقبل التحديات، وابحث عن المرشدين، وحافظ على تركيزك، ودع التصميم يرشدك، فظروفك لا تحدد هويتك، بل شغفك ومثابرتك هما من يحددان ذلك، وبالأمل والجهد، يمكنك تحقيق العظمة وتغيير الحياة".
المشاريع المستقبلية
كشف الدكتور الحمادشة عن أنه يعمل حاليا على تقنية جديدة لجعل الأدوية تدوم لفترة أطول في الجسم، حتى لا يحتاج المرضى إلى تناولها كثيرًا، مبينا أنه لو كان من الممكن حقن الأنسولين مرة كل أسبوعين بدلاً من حقنه يوميًا، فهذا هو نوع التأثير الذي تهدف التقنية إلى تحقيقه.
واعتبر أن هذه التقنية تركز أيضا على تطوير علاجات طويلة الأمد للجرعات الزائدة من المواد الأفيونية، لمواجهة الأدوية مثل الفنتانيل بشكل أكثر فعالية، ولجلب هذه الابتكارات إلى المرضى، يخطط لبدء شركة جديدة متخصصة لابتكار أدوية أفضل وأسهل استخدامًا تعمل على تحسين الحياة.
مركز أبحاث في الأردن
عبر الدكتور الحمادشة عن رغبته بالمساهمة في التطوير العلمي والصيدلاني في الأردن، من خلال خطة جريئة، فهدفه هو إنشاء شركة للتكنولوجيا الحيوية في سان فرانسيسكو، والتي ستكون بمثابة مركز للابتكار في تطوير الأدوية، وإلى جانب ذلك، يخطط لإنشاء مركز أبحاث في الأردن تابع للشركة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة.
وأوضح أن مركز الأبحاث الأردني سيركز على أحدث الأبحاث الصيدلانية، بينما يقوم أيضًا بتدريب الجيل القادم من العلماء الأردنيين، ومن خلال تزويد الباحثين الشباب بالمهارات المتقدمة وتوفير مسارات للتعليم العالي في الولايات المتحدة، يأمل بأن يتمكن من تقديم مساهمات كبيرة في صناعة الأدوية العالمية.
ونوه إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية العلمية والبحثية في الأردن، من خلال تعزيز التعاون مع الجامعات وشركات الأدوية، من خلال إنشاء نظام بيئي مستدام للابتكار وتبادل المعرفة، ووضع الأردن كلاعب رئيسي في صناعة التكنولوجيا الحيوية العالمية.
تبرعات لدعم مبادرات في الأردن
أكد الدكتور الحمادشة أن ما عليه اليوم هو بفضل الأردن، إذ أن الفرص والقيم التي غرسها فيه الوطن، ساهمت في تشكيل رحلته وزادت من رغبته في رد الجميل، وللتعبير عن امتنانه فقد تبرع بما مجموعه ربع مليون دولار لدعم المبادرات التي تعود بالنفع على الأردن، مع التركيز بشكل خاص على مسقط رأسه الرمثا، وجامعته العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
وشملت التبرعات وفق الحمادشة:
- تخصيص 100.000 دولار لمساعدة الطلاب المحرومين في جامعة العلوم والتكنولوجيا، من خلال تخفيف أعباء القروض الطلابية، وتمكينهم من تحقيق أحلامهم والنجاح الأكاديمي.
- تخصيص 70 ألف دولار لإعادة تأهيل الحديقة الوحيدة في الرمثا، مما يوفر مساحة تشتد الحاجة إليها للعائلات والأطفال للاستمتاع وتعزيز الروابط المجتمعية.
- المساهمة بمبلغ 30,000 دولار لمستشفى الرمثا لتحسين خدمات الرعاية الصحية للمجتمع المحلي.
- التبرع بمبلغ 50,000 دولار للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، دعماً لجهودها النبيلة في مساعدة أهلنا في غزة خلال هذه الأوقات الصعبة.
ونبه على أن هذه المساهمات تهدف لتكريم البلد والمجتمع الذي قدم له الكثير، متأملا أن يكون مصدر إلهام لأشخاص اخرين للاستثمار في مجتمعاتهم، ودعم المبادرات التي من شأنها الارتقاء بشعبنا وبناء مستقبل أكثر إشراقا للأردن.
ــ الراي