الأخبار

د. تيسير الياس شواش : هل يتشابه إدمان الإنترنت مع إدمان المخدرات؟؟

د. تيسير الياس شواش : هل يتشابه إدمان الإنترنت مع إدمان المخدرات؟؟
أخبارنا :  

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن إدمان الإنترنت واعتبره البعض بأنه مشابه لإدمان المخدرات في أعراضه وآثاره بالإضافة إلى أعراضه الانسحابية، ولكن هذا ليس بالضرورة سليما من الناحية العلمية. في هذه المقالة سيتم إيضاح الفرق بين نوعي الإدمان بغية توعية الأهل والمهتمين وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند البعض.

يعتبر الإنترنت من الأساسيات التي لا غنى عنها في حياتنا المعاصرة وفي مختلف مناحي الحياة العلمية والاجتماعية والطبية والاقتصادية والعسكرية إلخ... ويتم التعامل معه من خلال أجهزة إلكترونية متنوعة مثل الحواسيب والهواتف الذكية وألعاب الحاسوب الرقمية المرتبطة بالإنترنت، وما يتضمنه من مواقع للتواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وانستاغرام وتيك توك ويوتيوب وتويتر.

وللأسف قد يساء استخدام الإنترنت لأغراض غير علمية أو معرفية خاصة بين الأطفال والمراهقين ويترتب عليه نتائج سلوكية سلبية تؤثر على الحياة اليومية بأشكال مختلفة. ويقود هذا الاستخدام الخاطئ إلى التعلق به مما يخلق الحالة التي تسمى بإدمان الإنترنت

إن أول من أطلق تشخيص الإدمان على الإنترنت هي الأخصائية النفسية الدكتورة كمبرلي يونغ في العام 1995 وهي من أعدت اختبار إدمان الإنترنت المستخدم لمعرفة مدى إدمان المستخدمين وذلك منذ العام 1988

ويعرف إدمان الإنترنت بأنه إدمان سلوكي ويتمثل في الاﺳﺘﺨﺪﺍﻡ المفرط للإنترنت وقضاء ساعات طوال أمام الشاشات مما يضع المستخدم في حالة تتجاهل مسؤولياته ومتطلبات الحياة اليومية الأساسية مما يجعل هذا الإدمان شبيها بإدمان القمار.

أما إدمان المخدرات فيعرف بأنه هو اضطراب عصبي نفسي حيث تظهر لدى المدمن حاجة جسدية أو نفسية قوية تتمثل برغبة متكررة في الاستمرار في تعاطي المادة أو المواد المخدرة وزيادة كميتها (سواءً اكانت منبهات أو مثبطات) على الرغم من إدراك المدمن بالعواقب الضارة الناتجة عن التعاطي سواء الآثار الصحية النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية.

ومن الجدير بالذكر أنه حتى الآن لم يتم تضمين إدمان الكمبيوتر في الدليل التشخيصي والإخصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) باعتباره اضطرابًا رسميًا، وهو الدليل الذي تصدره الرابطة الأمريكية للطب النفسي، والذي يشكل المعيار المُعترف به على نطاق واسع لتصنيف مثل هذه الاضطرابات.وبناءًا عليه لا زال هذا التشخيص موضع جدل بين العلماء المختصين مع أن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) للعام 2018 تضمن إدمان ألعاب الكمبيوتر كأحد أنواع الإدمان المصنفة علميا

ويمكن تصنيف إدمان الإنترنت أو الأجهزة الإلكترونية إلى أربعة أنواع:

1-إدمان لعب ألعاب الفيديو عبر الإنترنت

وهو أكثر انتشارًا بين الأطفال (الطفولة المبكرة والمتوسطة والمراهقة)

2-إدمان الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت وهو أكثر انتشارًا بين الراشدين ويليه المراهقين

3-إدمان النشاط الجنسي عبر الإنترنت وهوأكثر انتشارًا بين المراهقين وبنسبة قليلة بين الراشدين ومن المستحيل أن يظهر هذا النوع من الإدمان في الطفولة المبكرة من (1 الى -8)سنوات حيث أنه في سن الطفولة المبكرة لا تنمو إدراكات الأطفال العقلية وكذلك لا تنشط الهرمونات الجنسية كما هو الحال في مرحلة المراهقة والرُشد. وحتى في التشخيص العلمي لهذا النوع من الإدمان الذي حددته واضعة هذا التشخيص كمبرلي يونغ يجب أن يمضي على ممارسة مشاهدة الأفلام الإباحية من أربع إلى خمس ساعات يوميًا وهذا أمر غير منطقي وغير واقعي في هذا السن المبكر كما أن من شبه المستحيل غياب رقابة الوالدين.

4-البحث القهري عن المعلومات وهوأكثر انتشارًا بين الراشدين.

يتبين مما سبق أن الفروقات بين أعراض وآثار الإدمان على الإنترنت وعلى إدمان المخدرات مختلفة في الأسباب وفي شدة الأعراض والآثار السلبية اللاحقة على الصحة النفسية والجسدية للمتعاطي وكذلك في أساليب العلاج وليس كما يدعي البعض بأن هذين النوعين من الإدمان متماثلين

وفي هذا السياق من المفيد ذكر الأعراض الناتجة عن إدمان الإنترنت وهي كما يلي::

1- أعراض صحية مثل زيادة السمنة نتيجة الجلوس الطويل وراء الشاشات، آلام في الظهر، الصداع، اضطرابات في النوم.

2- ظهور متلازمة رؤية الكمبيوتر التي تتضمن جفاف، وتهيج العيون، وتحسس للضوء وازدواج الرؤية لـ، وصعوبة إعادة تركيز العينين. ويمكن أن تتفاقم هذه الأعراض وتؤدي إلى مشاكل في الإبصار مثل ضعف النظر.

3- الآثار الاجتماعية وتتضمن تعزيز العزلة الاجتماعية لدى الطفل أو المراهق وتعزيز القلق الاجتماعي وأحيانًا تظهر مشاكل أسرية وزوجية. ومع ذلك لا ترافق هذا النوع من الإدمان وصمة عار اجتماعية كما هو الحال لدى مرضى الإدمان على المخدرات.

كما يؤثر هذا السلوك على الجانب الأكاديمي حيث يتسبب في تشتيت انتباه الطلبة.

4- الأعراض النفسية

تظهر اللهفه واضحة لدى الطفل لاستخدام الكمبيوتر أو الهاتف واذا منع من ذلك تظهر عليه أعراض الانسحاب والتي تتمثل بالاستثارة الانفعالية كالغضب والتوتر والهياج، والصراخ، والبكاء، والقلق والحزن. ولكن هذه الأعراض ليست شديدة ولا تتطلب تدخلا طبيا نفسيا ولا تقود إلى اضطراب الإدراك والوعي بالمكان والزمان كما هو الحال في الأعراض النفسية عند تعاطي المخدرات التي تتضمن الأعراض الإنسحابية عنها اضطرابا ملحوظا في السلوك والحالة الانفعالية الشديدة للحصول على المادة المخدرة بأي وسيلة ويتطلب تدخلا طبيا نفسيا.

قد يطور بعض الأطفال والمراهقين ميولا عدوانية نتيجة ما يشاهدونه حيث تقود هذه الميول بعض المراهقين أحيانا إلى الإدمان على الأفلام الإباحية وتؤثر سلبًا عليهم، وتسبب ارتكاب مخالفات أخلاقية يعاقب عليها قانونيًا من خلال قوانين الجرائم الإلكترونية.

الآثار السلبية لإدمان المخدرات

هنالك مجموعة كبيرة من الأثار السلبية لإدمان المخدرات ومن أهمها الآثار الصحية التي تطال كل أعضاء الجسم. يحدث ذلك نتيجة تعاطي المواد المخدرة الكيميائية ودخولها في الجسم سواء كانت منبهات أو مثبطات وتسببها بحدوث اضطرابات في الجهاز العصبي والناقلات العصبية وتقود المتعاطي إلى الاعتماد النفسي الفسيولوجي عليها مما ينتج عنها مضار متنوعة وخطيرة حسب المادة المستخدمة وكميتها ومدى فعاليتها. بعض هذه المواد تقود إلى الإدمان من أول جرعة بحيث تؤثر على شخصية المدمن وعلى أفكاره وحواسه ومزاجه وسلوكه وقد يقود البعض منها إلى تلف خلايا الدماغ والكبد والرئتين والقلب و الموت. وهذا لا ينطبق على إدمان الإنترنت الذي قد يؤثر بدرجة بسيطة على الموصِّلات العصبية في الدماغ مثل الضعف في التركيز والذاكرة والتآزر البصري الحركي.

وقد ينتج عن تعاطي المخدرات تغير في الشخصية وأعراض نفسية وذهانية بحيث تشكل خطرا على المتعاطي وعلى من حوله من أفراد أسرته ومجتمعه وتقود إلى حوادث قاتلة. على إثرها يحتاج المتعاطي إلى علاجات دوائية مضادة وأحيانا كثيرة يتطلب دخوله مركز تأهيل متخصص للعلاج الدوائي والنفسي حيث يحتاج المدمن إلى فترة زمنية لإخراج سمية المادة المخدرة ويحتاج إلى التأهيل، والمتابعة. وتتراوح فترة العلاج بين أشهر إلى سنة ويترتب عليه تكلفة مالية وتعطل حياته العملية والاجتماعية وهذه الأعراض والمخاطر لا تظهر مع إدمان الإنترنت كما أن علاج إدمان الإنترنت لا يحتاج إلى أدوية بل يحتاج إلى علاج سلوكي معرفي.

يتسبب التعاطي أيضا في آثار اجتماعية واقتصادية سلبية وترافق المتعاطي وصمة عار اجتماعية تلحق أسرته كما تترتيب عليها مخالفات قانونية.

الوقاية من إدمان الإنترنت.

تعتير الوقاية من إدمان الإنترنت الخطوة الرئيسية لحماية المراهقين والأطفال بدلا من العلاج، حيث يتضمن ذلك ضرورة إعداد برامج في وسائل التواصل المختلفة ومنها المرئية والمكتوبة والمسموعة يشرف عليها مختصون تهدف إلى تثقيف المراهقين حول العلامات التحذيرية للإدمان على الإنترنت. من الواجب أن تشارك المؤسسات الإعلامية والثقافية والدينية في هذا البرنامج الخاص بالتوعية وأن يترافق معه قرارات عملية لحجب المواقع الإباحية وكذلك التأكيد على دور أولياء الأمور في مراقبة استخدام الإنترنت وتعليم المراهقين والأطفال الطرق المفيدة والمناسبة لاستخدام الإنترنت كمصدر للمعرفة لا للضرر.

وفي النهاية اوصي بضرورة استشارة اللجنة العلمية في الجمعية الأردنية للطب النفسي أو اللجنة العلمية لجمعية علم النفس الأردنية قبل عرض أي مادة إعلامية تتعلق بالتشخيص والعلاج النفسي تجنبًا لحدوث أخطاء في المضمون تتسبب بتضليل المواطنين والحصول على معلومات خاطئة تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مناسبة. ــ الراي

*اختصاصي علم النفس الإكلينكي والعلاج السلوكي المعرفي

مدير مركز المراد

مواضيع قد تهمك