الأخبار

د. خالد وليد محمود : «بصمة الصوت» من التحقّق إلى التعقب العسكري والاستخباري

د. خالد وليد محمود : «بصمة الصوت» من التحقّق إلى التعقب العسكري والاستخباري
أخبارنا :  

في ظل التسارع التكنولوجي الذي يشهده العالم، تبرز تقنية «بصمة الصوت» كإحدى أهم التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي للتعرف على الهوية، وتقدم استخدامات متعددة في مجالات الأمن، المال، والعسكرة والاستخبارات. تقوم هذه التقنية على استخراج السمات الصوتية الفريدة لكل فرد، مثل الترددات، النبرة، السرعة، والإيقاع، لتحويلها إلى «بصمات صوتية» رقمية تُستخدم كمرجع بيومتري للتحقق من الهوية، تمامًا كما هو الحال مع بصمات الأصابع أو الحمض النووي. تتميز هذه التقنية بأنها أقل تدخلاً من الأساليب التقليدية مثل التعرف على بصمات الأصابع أو الوجه، وتُعتبر أكثر ملاءمة، حيث يمكن أن تعمل عن بُعد باستخدام ميكروفونات عادية، مما يتيح سهولة الوصول والاستخدام عبر العديد من التطبيقات.

تقوم تقنية البصمة الصوتية على أساس أن كل شخص يتحدث بشكل غير واعٍ عن هذه السمات الصوتية الدقيقة، والتي تختلف في قياساتها بين الأفراد. هذه الفروق تظل قائمة حتى بين التوائم المتطابقين، مما يجعل من الصعب تطابق بصمات الصوت حتى في حالات التشابه الجسدي الكبير. وعليه؛ فإن البصمة الصوتية هي إحدى أنواع البصمات البيولوجية للإنسان أو القياسات البيومترية «Biometrics»، وهي البصمات التي تقاس من خلال الأعضاء البيولوجية المختلفة في جسم الإنسان.

في الماضي، كان التعرف على الصوت عملية شاقة تعتمد على التحليل اليدوي للسمات الصوتية وكانت تتطلب تدخلاً من خبراء متخصصين لتحليل البيانات الصوتية. هذه الطرق كانت تستغرق وقتاً طويلاً وتفتقر للدقة في بعض الحالات، مما جعل استخدامها محدودًا. ومع التطور التكنولوجي، تغيرت الصورة جذريًا. ظهرت برمجيات تعتمد على خوارزميات التعرف على الأنماط التي شكلت بداية ثورة في هذا المجال. ومع تطور الذكاء الاصطناعي، أصبحت الخوارزميات أكثر كفاءة، قادرة على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات، وتحليلها بسرعة ودقة.

باتت تعتمد التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية العميقة لتحديد وتحليل السمات الصوتية الفريدة. هذه الأنظمة قادرة على التعامل مع ملايين التسجيلات الصوتية، مما يسمح لها بالتعلم من البيانات الجديدة وتحسين أدائها بمرور الوقت. هذا التطور أتاح إمكانية فصل الصوت المستهدف عن الضوضاء الخلفية، حتى في البيئات المزدحمة، مما عزز فعالية التقنية في التطبيقات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية على وجه الخصوص.

لم تعد بصمة الصوت مقتصرة على المصارف والمطارات أو الهواتف الذكية، بل أصبحت أداة فعالة في العمليات العسكرية والاستخباراتية والتصفية الجسدية «عمليات الاغتيال» ؛ إذ استخدمت هذه التقنية لتعقب واغتيال قادة حركات المقاومة في كل من غزة ولبنان، مما يدل على التحول الكبير في استخدام هذه التكنولوجيا. تعتمد هذه العمليات على تحليل الصوت وتخزينه في قواعد بيانات ضخمة، ليتم التعرف عليه في المستقبل من خلال مقارنة أي تسجيل جديد بتلك المخزنة. هذا يسمح بتنفيذ عمليات دقيقة وسريعة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مكان الأهداف وتنفيذ المهام المطلوبة.

القدرات التكنولوجية العالية التي تمتلكها بعض الجيوش، مثل الجيش الإسرائيلي، تتيح لها بناء مكتبات صوتية ضخمة للأفراد المستهدفين. ومع كل مكالمة أو محادثة يتم تحليلها، يتم إضافة معلومات جديدة إلى هذه المكتبات، مما يزيد من دقة وفعالية عمليات التعقب. التقارير بهذا الخصوص تشير إلى استخدام هذه التكنولوجيا لتعقب قادة حركات المقاومة، سواء عبر مكالماتهم الهاتفية أو من خلال تتبع أصواتهم عبر أنظمة التنصت المتقدمة، وذلك لتحديد مواقعهم بدقة وتنفيذ عمليات تصفية باستخدام الطائرات المسيّرة أو القوات البرية.

ورغم المزايا الأمنية الكبيرة التي توفرها تقنية بصمة الصوت، إلا أن هذه التكنولوجيا تثير تساؤلات أخلاقية حول استخداماتها. تعتمد العديد من الحكومات والجيوش على هذه التقنية في العمليات العسكرية والاستخباراتية، ولكن ما زالت هناك حاجة ماسة لوضع أطر قانونية واضحة تحكم استخدام هذه التكنولوجيا وتضمن حماية الخصوصية وحقوق الإنسان. استخدام بصمة الصوت في تعقب الأفراد يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة للخصوصية، مما يجعل من الضروري تنظيم استخدامها وضمان عدم إساءة استغلالها.

من الناحية التجارية، تُعد بصمة الصوت أكثر أمانًا مقارنةً بالطرق التقليدية للتحقق من الهوية مثل كلمات المرور، التي أصبحت عرضة لهجمات سيبرانية مثل هجمات «Brute Force» و»Phishing». هذه الهجمات تهدف إلى اختراق كلمات المرور واستخدامها بشكل غير مشروع، بينما تظل بصمة الصوت بيانات بيومترية فريدة لكل شخص، يصعب تقليدها أو تزويرها. ولهذا السبب، تم اعتمادها على نطاق واسع في التطبيقات المالية والخدمات اللوجستية والطيران، حيث تُستخدم كوسيلة مضمونة لتوثيق هوية المستخدمين.

ختامًا، تُعد بصمة الصوت واحدة من أكثر التقنيات الواعدة في مجال القياسات الحيوية، فهي ليست مجرد وسيلة للتحقق من الهوية، بل أصبحت أداة قوية في العمليات العسكرية والاستخباراتية، وكذلك في العديد من الصناعات التجارية. تقدم هذه التكنولوجيا إمكانيات كبيرة لتعزيز الأمان وتحسين تجربة المستخدم، ولكنها في الوقت نفسه تتطلب تنظيماً دقيقاً لضمان حماية الخصوصية وحقوق الأفراد في مواجهة الاستخدامات غير المشروعة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك