عبد الهادي راجي المجالي : بشر
.. لو كانت الأحاديث تسجل، لنشرت ما تحدثت به مع بشر الخصاونة.. عن الحياة، والبلد.. والكتب التي قرأناها، وعن الزمن.. والأيام.
كان مثقفاً.. نحن لا نحتاج لرئيس (يطبطب) علينا حين ننفجر، بقدر أن يفهم معنى المقال الغاضب والقلب الغاضب.. ويفهم أن الدولة في (جرة قلم) تستطيع أن تنتج ألف مدير وألف موظف وألف وزير، لكن المبدع لا ينتج بقرار ولا بتوقيع.. بشر كان يفهم هذه المعادلة، لهذا تركنا على خط الجنون نسير.. لابل سار معنا.
البعض يعتبرها مرحلة قلقة ويقيسها بالمديونية وتعثر الاقتصاد، وأنا لا أقيسها بهذا السياق.. أنا أقيسها بالوعي، واستيعاب الناس وفهم المجتمع.. كان الخصاونة هو التطور الطبيعي للوعي في البيروقراط، وهو قصة الشاب الصارم الذي تعب على انتاج شخصية متوازنة، تتماهى مع إرث والده القومي وتاريخه.
هناك من يصفق للقادم وينسى من غادر الموقع، وأنا لا أريد أن اتحسر على مرحلة.. تم التعامل معي بها، على قاعدة الوعي والابداع.. وليس على قاعدة المحاباة والاستيعاب، ولكني معني بالكتابة عن تلك المرحلة.. ومعني أيضا بإخبار الناس أن منصب رئيس الوزراء في الأردن.. في لحظة يكون أشبه ببيت للمتنبي: (على قلق كأن الريح تحتي.. تسيرني يمينا أو شمالا) هو منصب التوازنات.. منصب العلاقة السلسة مع المؤسسات.. وهو المنصب الذي يطل فيها البعض من نوافذ الدوار الثالث على الشعب، بالمقابل يفضل البعض أن يطل على الناس من شباك القلب فقط.
(4) سنوات مرت، ما رفعت هاتفي من أجل ملاحظة للرئيس.. إلا واستقبلها بنفسه.. وما أرسلت له رسالة على الواتس أب.. إلا ورد بنفس اللحظة، وما طلبت موعدا إلا وكان فيصل ملكاوي.. يخيرني بين المنزل وبين البيت.
أنا لا أتحدث عن علاقة شخصية، بل اتحدث عن رئيس تعامل مع معظم الصحفيين بهذه العقلية.. وفهم الناس جيدا، واحترم فيهم الرفض.. واحترم اختلافهم معه.
الأخ الغالي بشر الخصاونة:
الان هي فرصة أن تشرب القهوة بهدوء تام، وترحل مع العائلة للعقبة.. فرصة أن تنام حتى العاشرة صباحاً، وأن تسهر على صوت أم كلثوم.. لكن تذكر أني أنا شخصيا سأبقى مدافعا شرسا عن زمن كنت فيه الأردني الصلب، الذي أطل على الناس من نافذة القلب وليس من نوافذ المباني الفخمة. ــ الراي
Abdelhadi18@yahoo.com