طايل الضامن يكتب : مجلس النواب العشرون.. لبِنة لبناء «الدولة الأردنية الحديثة»
ترجم الأردنيون ما جاءت به الإصلاحات أو التعديلات الدستورية لعام 2022، وما تبعها من عمليّة تطوير تشريعيّ على قانونيْ الأحزاب والانتخاب، من خلال المشاركة في صناعة القرار عبر صناديق الاقتراع، التي أفرزت مجلس النواب العشرين بعدد أعضائه المئة والثمانية وثلاثين.
ورغم عزوف كثير من الأردنيين عن المشاركة في الانتخابات النيابية، لاعتبارات كثيرة قد تكون عدم رضاهم عن أداء النواب في الدورات الانتخابية القليلة السابقة، إضافة إلى قناعاتٍ لدى بعض الناخبين، أنّ النائب يخدم أقرباءه فقط، إلّا أنّ هذه الانتخابات كانت ناجحةً بكافّة المقاييس؛ إذْ امتازت بالشفافية والنزاهة والحياد، ومَن يقرأ خريطة مجلس النواب العشرين يلحظ ذلك دون أدنى شك، وإنّ نتائجها كانت «مفاجئة» حتى أنّ بعض الفائزين تفاجأوا بفوزهم، أو بعدد المقاعد التي حصلت عليها كُتلهم.
هذه النتائج بثت روحًا وجوًا عامًا من الارتياح لدى الأوساط السياسيّة والشعبيّة في مختلف مناطق المملكة، وبعثت برسال تحمل في طياتها النزاهة والحياد والموضوعية التي اقتنع بها الجميع، وأولهم مَن كان عازفًا عن المشاركة.
الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، يدخل مرحلة جديدة في تاريخه السياسيّ مع مطلع المئوية الثانية للدولة الأردنية، إذْ يبني اللّبِنة فوق اللبِنة ليشيدَ بنيانَ عصرِ «الدولة الحديثة» التي ستتكشف أركانها وأدواتها الجديدة على الصعد كافة خلال أشهر قليلة.
إذن؛ نحن أمام تحول أو انعطافة تاريخية من عمر الدولة الأردنية للنهوض من جديد بمؤسسات دستورية قوية تمثل المجتمع الأردني بكل مكوناته تمثيلًا حقيقيًا قادرًا على مواجهات التحديات التي يعيشها الوطن، والتي قد يواجهها في ظلّ تطورات الأحداث الخطيرة في المنطقة، فالبلاد أمام استحقاق كبير تحتاج إلى مؤسسات قوية قادرة على الوقوف في وجهها، وتحمل المسؤوليات الكبيرة.
من الواضح أنّ القيادة الهاشمية، وهذا أمرٌ لا شكّ فيه، تستبق الأحداث الخطيرة التي من الممكن أن تتطور في المنطقة ببناء البيت الداخلي، وشد «الأحزمة»، كي نجدَ معها وخلفها مؤسّسات وشعبًا مستعدين في خندق الدفاع عن الوطن.
وقبل أن نستعرض أبرز هذه التحديات، من الجيّد التفكير بـ«لونِ» المجلس الحاليّ. وعليه؛ يمكن القول إنّ مجلس النواب الحالي اتّخذَ لونًا واحدًا لا ثاني له، وهو لونُ الوطن، الذي يتلوّن بكل الأطياف السياسية دون إقصاء أحد، فالجميع حاضرون بكلّ قوة في المجلس العشرين، ما سينعكس إيجابًا على الأداء التشريعي والرقابي، ويقوي السلطة التشريعية في البلاد، التي ستكون المطبخ القانونيّ والسياسيّ الأول في المملكة.
وفي قراءة سريعة، لفسيفساء المجلس العشرين، الذي سيبدأ قريبا بتشكيل تحالفات حزبية، خاصّة أن غالبية النواب «104 نواب» ينتمون إلى أحزاب، سعيًا لتشكيل حكومة برلمانية من رحم الأحزاب الوطنية الأردنية، ولا يمكن التنبؤ بشكلها وكيفيتها، ومدى مشاركة الإسلاميين فيها أو الوقوف في خندق «المعارضة الوطنيّة الملتزمة»، وما إذا كان رئيس الوزراء من أحد أعضاء المجلس أو من خارجه، فالخيارات مفتوحة لكلّ السيناريوهات تحسمها الأيام القريبة.
النتيجة، أننا وبفضلٍ من الله، ثمّ بفضل الإصلاحات الدستورية والتشريعية استطعنا الوصولَ إلى مجلس نواب يمتاز بفسيفساء ولون الوطن، قادر على أن يتحمل تبعات وإفرازات المنطقة الملتهبة، والتي سيكون في مقدمتها، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومخاوف من ارتكاب «إسرائيل» حماقات في الضفة الغربية وتفجير الوضع فيها وصولًا إلى تحقيق «التهجير» الذي تحلم به الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة الحالية، وهو ما يشكل اعتداءً على الأردن، الذي اعتبره «إعلانَ حرب» وفق ما جاء على لسان رئيس الوزراء ووزير الخارجية في أكثر من مناسبة. إضافة إلى هذا التحدي الكبير، هناك تحدٍ آخر، يتمثل في الوضع المتردي في الجنوب السوريّ، وسيطرة الميليشيات الإرهابية والحرس الثوريّ الإيراني على تلك المناطق، وانتعاش تجارة المخدرات، ومخاوف من تطور الأمور إلى «الاسوأ» في حال اندلاع حرب لبنانية إسرائيلية، وما قد تقوم به إيران، أو الميليشيات الإرهابية من استهدافٍ للساحة الأردنية التي سبق وأنْ استُهدفت بــ «بطائرات مُسيّرة» أكثر من مرة. إضافة إلى التحديات الخارجية، ثمّة تحدياتُ داخلية، أبرزها اقتصاديّة، وارتفاع نسب البطالة بين فئة الشباب الذين يشكلون غالبيّة سكان المملكة، ومقاومة الفساد في المؤسسات العامة للدولة، وخلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات الخارجية للبلاد، فهذا ملف كبير يحتاج إلى إعادة نظر، ينتهي إلى وقف ارتفاع حجم المديونية والنهوض بالاقتصاد الوطني؛ فالمرحلة المقبلة، تحتاج إلى بناء المؤسسات وفق الإصلاحات الدستورية والسياسية التي أرادها جلالة الملك، وعلى الجميع أن يلتقط الإشارة أنّ المرحلة المقبلة: مرحلةُ بناءٍ وتَصَدٍ في آنٍ معًا. ــ الراي