الأخبار

د. احمد يعقوب مجدوبة : تطوّر مهم!

د. احمد يعقوب مجدوبة : تطوّر مهم!
أخبارنا :  

المُتابع للسياسة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية يجد أن تطوراً مهماً قد حصل فيها، أو في جزء منها. نقول «مُهّماً»، بمعنى أنه يمكن البناء عليه لتَحقّق شيء في المستقبل القريب؛ ولا نقول «حاسماً»، بمعنى أن تغيّراً ملموساً سيطرأ الآن من تلقاء نفسه.

والتطور المُهم ظهر جليّاً خلال المناظرة التي أجريت مؤخراً بين كاميلا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب المرشح الجمهوري. الكثير قيل خلال المناظرة لكن ما يهمّنا ما قيل عن القضية الفلسطينية.

دونالد ترامب لم يأت بالجديد، فكرّر ما يُكرّره المرشحون للرئاسة الأميركية تقليدياً، من دعم منقطع النظير لإسرائيل وحرص شديد عليها، وتغاضٍ تام عن حقوق الفلسطينيين؛ إذ لم يقل كلمة واحدة عنها وعنهم.

الجديد جاء في حديث هاريس – والذي بدأته بالتأكيد على دعمها لإسرائيل وعلى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها؛ وهذا متوقع وينطلق من الموقف الأميركي التقليدي – أنها أتت بثلاثة أمور.

الأول ويتمثل في وضعِ مُحَدِّدٍ لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إذ ذَيّلت حديثها بالقول بأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مشروط بـ"الكيفية التي تتّبعها في ذلك»، بمعنى أن حق الدفاع ليس شيكاً مفتوحاً، بل يكون ضمن الأعراف والأطر والمُحدّدات الإنسانية المتعارف عليها. وهذا تذييل غير مسبوق.

والثاني ويتمثل في استنكارها الصريح للعنف المبالغ فيه الذي مارسته وتمارسه إسرائيل في حربها على غزة وعدد الضحايا من المدنيين.

والأمر الثالث تأكيدها على التزامها بالعمل بجدّية وإلحاح على وقف الحرب بأسرع وقت ممكن والدفع باتجاه تحقيق السلام «المُتكافئ».

الجديد هنا ليس النبرة الواضحة والصريحة، بل مضمون الكلام وفحواه.

والمهم فيما قالته هاريس – وهنا بيت القصيد – أنّه جاء ليس بعد فوزها في الانتخابات، بل في خضم السباق غير المحسوم، والذي يتنافس فيه المرشحون عادة، ديمقراطيين وجمهوريين، بكيل المدائح لإسرائيل والتّغزل فيها والمغالاة في الوعود التي يأخذون على عاتقهم لدعمها وحمايتها وتعزيز أمنها وقدراتها.

نعي أن كثيرين لا يرون فرقاً جوهرياً بين الديمقراطيين والجمهوريين عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فـ"الخل أخو الخردل».

ومن وجهة نظرنا فإنّ هذا الاستنتاج غير دقيق.

فهنالك فرق بين من نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس دون أن يرمش له جفن، من ينادي بتوسيع رقعة إسرائيل لأنها «صغيرة»، من يسعى لحلّ وتطبيع دون انسحاب إسرائيل من أي رقعة محتلة؛ وبين من يؤكد على عدم شرعية احتلال الأراضي الفلسطينية وعدم شرعية المستوطنات، وأهمية إيجاد حلّ يضمن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

لماذا حدث هذا التّحول؟

عدة عوامل.

منها عمل دبلوماسي ناجح لعقود من بعض الدول العربية، وعلى رأسها الأردن التي جعلت من القضية الفلسطينية القضية الجوهرية؛ ومنها فظاعة ما قامت وتقوم به إسرائيل والتي حفرت فعلى رأسها نثرت، ومنها خسارة إسرائيل لمعركة مسح الدماغ الإعلامية، وبالذات بين جيل الشباب.

لكن من أهمها وأكثرها مباشرة، أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية أميركية داخلية نتيجة ارتفاع أعداد الأميركان، من شتى المنابت والأصول والأديان، المعارضين للحرب على غزة والضفة المناصرين للسلم والممتلكين لحق الانتخاب والذين يمكن أن يحدثوا الفارق.

وبعد، فهنالك ما هو جديد في الساحة الانتخابية الأميركية، مما لا يجب القفز عنه. ــ الراي

مواضيع قد تهمك